التشنيع على هيئة شعرهم وعيونهم كان من الممكن، لو أرادت فرنسا، أن تخرج منها وجوه علماء وأطباء ومحامين ومهندسين وقواد وغيرهم، ولكن فرنسا أرادت أن تعطل قوى الحياة في هذه الأجسام إفناء أمتهم وضم أرضها إلى أرض فرنسا. . . ولكن الله العادل الرحيم المقتص من الظالمين قد أراد أن يفني فرنسا ويحطم مجدها ويبلبل عقائدها ويضرب بعضها ببعض وقد دنس بنعال أعدائها حرمات أرضها قبل أن تفنى هؤلاء وتقضي عليهم القضاء الأخير الذي تتربصه منذ مائة وعشرين سنة. وسترى فرنسا أن هذه الأمة المغربية ستنهض وتشترك في تجديد رسالة العلم والحضارة الحقيقية.
وما في فرنسا من براكين الاختلاف كفيل بأن يدمر حياتها
ووقوعها بين قوتي المشرق الروسي والمغرب الانجلوأمريكان سيجعل أرضها مجالا للصراع المدمر الآني لا محالة، وبدلا من أنها كانت تجد في شمال إفريقية مجال لشد أزرها لو أنها أحسنت صنعاً إلى المغاربة وحكمت قلوبهم بالحب، ستجد في هذا المغرب ألبا عليها وقوة تشترك في هدمها. وقد فات أوان الظلام واختلف الحساب وانعكس عليها قصدها من إفناء المغاربة بعد سطوع الفجر الدولي.
وإن الذين يشهدون محافل المغاربة في مصر ليرى العزم المصمم والإيمان الراسخ والجهاد الهازئ بالآلام في سبيل الحرية والحياة.
وإن قلوب المشارقة من العرب والمسلمين لتغلى غليان السخط والعداوة والاحتقار للحكم الفرنسي في شمال إفريقية كلما رأت هذه النخبة الممتازة من شباب تونس والجزائر ومراكش الذين كان من حسن حظ العرب والمغرب عموما أنهم استطاعوا الإفلات من الأغلال الفرنسية ليلفتوا إليها من الخارج متعاونين مع المشارقة. وإنهم لنماذج صالحة تثير الفرح بمستقبل المغرب إذا ما انزاح عنه النير الفرنسي، وإنهم أيضاً ليثيرون السخط على فرنسا حينما نرى وجوههم السميحة وألسنتهم الفصيحة ونقارنها بما رأيناه مع هذه الوجوه المطموسة بسمات الحرمان وإمارات النكال في هذا الشريط السينمائي الذي أرادته فرنسا دعاية لها فكان دعاية عليها.
وإننا لنحس إحساساً صادقاً أن المغرب العربي المبتلى بفرنسا يغلي غلياناً تفور له قلوب العرب في الشرق بالغضب والسخط على ذلك الحكم القاسي الذي يربط على الجناح الأيسر