للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وعلى عظم إخلاصه لفنه، ولقد رأينا ما أحاط به من المحن والكوارث فلم يصرفه ذلك عما خصص له حياته، وإن واحدة منها لكفيلة بأن تقعد المرء عما يخف كثيرا عن ذلك الذي اضطلع به من عبء.

وربما كان خيرا له وللأدب أنه لم ينظم ملحمته الكبرى إلا بعد أن بلغ الخمسين من عمره فلعلنا كنا لو نظمها في صدر شبابه لا نظفر منه بما ظفرنا به من آثار خبرته بالحياة والناس وطول باعه في البيان وضلاعته في المعرفة وانصقال فنه وما اكتسب شعره من فحولة وقوة. ولقد حال بينه وبين تحقيق أمله في شبابه ورغبته كما رأينا في الاستزادة من الثقافة استزادة تكافئ ما يطمع أن ينهض به من عمل ضخم في دنيا الفن، ثم حيرته في اختيار الموضوع الذي تدور حوله قصيدته، وجاءت بعد ذلك حربه على القساوسة ثم اشتغاله بالسياسة فأخرته على رغمه تلك السنوات الطويلة.

ولقد هم قبل تلك الشواغل سنة ١٦٤١ بالنهوض بما منته نفسه به، إذ أنه يتبين من قائمة كتبها الشاعر بين سنتي ١٦٤٠، ١٦٤٢ أنه فكر فيما يقرب من مائة موضوع، وكان ثلثا هاتيك الموضوعات مقتبسا من الإنجيل، وكان همه متجها إلى واحد من بينها سماه تارة (الفردوس المفقود) وتارة (آدم يخرج من الجنة) فقد وجد في هذه القائمة بيان أسماء شخصيات لدرامة يرسمها وبيان لما تكون عليه تلك الدراسة وقد وضع لذلك عدة صور لعله كان يفاضل بينها، ولا زالت تلك القائمة محفوظة كأثر من آثار الشاعر العظيم في مكتبة كلية ترينتي بجامعة كمبردج.

ويتبين من ذلك أم ملتن كان يومئذ يريد أن يلبس موضوعه لباس الدرامة لا الملحمة، ويؤيد هذا الرأي ما ذكره في هذا الصدد إدوارد فيلبس، وذلك أن الأسطر التي يخاطب بها الشيطان الشمس في أوائل الكتاب الرابع من الملحمة قد نظمت قبل بدء الشاعر في نظم الملحمة بنحو خمسة عشر أو ستة عشر عاما وأنها نظمت لتكون في مستهل عرض لمأساة.

ثم انصرف ملتن كما رأينا عن الشعر وانشغل عن أمنيته الكبرى حتى كانت سنة ١٦٥٨ فتوفر على موضوعه، فلما أتمه كان ملحمة تضاف إلى الملاحم الكبرى في دب العالم وسميت الفردوس المفقود.

ونظمت الملحمة في ستة أقسام أو ستة كتب، ولقد أوجزنا موضوعها في أول هذا الفصل

<<  <  ج:
ص:  >  >>