فجلست له وكان يسألني سؤالا في الطب وعشرة أسئلة في السياسة الفلسطينية!. . . ثم بدأ الفحص بعد أن ظهرت أمامه كما خلقني ربي، ووخزني بإبرة في أطراف أصابعي. . . ثم مر بالإبرة أيضاً على ظهري، ثم ربط جهازاً على ذراعي وضغط عليه ثم قال لي:
- تمدد على ظهرك، وارفع يديك إلى العلاء، فابسط أصابعك. . . ثم أمسك بيدي وقال:
- دعنا نتجاذب بشدة. . .
ثم أخذ يطرق جسمي بمطرقة خشبية صغيرة، وكان ذلك خاتمة الفحص.
فقال لي وهو يقبض الجنيهات الخمسة:
أنت تشكو من انحطاط في مجموعة أعصابك. . . وأقترح أن تستريح شهراً كاملا في (كاليه) في منطقة البحر الميت.
وعدت إلى البيت، وأنا أفكر في هذه المصيبة التي حلت بي، فكنت أردد أقوال الطبيبين، وأنعم النظر في صورة رنتجن، وأطالع التقارير الطبية، وأحاول إدراك كنه محتوياته اللاتينية مستعينا بالقاموس الطبي. . . إلى أن أضحيت أسير هواجس، فانكمشت على نفسي واعتزلت الناس، وعولت على ألا أعود إلى طبيبي الأول، وألا أسافر إلى (كاليه). . . وفي إحدى الأمسيات خاطبت نفسي قائلا - لم لا تجرب حظك في الدواء البلدي؟. . . فنهضت للتو وقصدت جارتنا (أم حسين) وهي عجوز معروفة بوصفاتها البلدية وعرضت عليها ذراعي فأمسكت به وتفحصته وقالت: أنت تشكو من قرصة هواء!. . .
قلت: وكيف ذلك؟
قالت: لا تبحث بما لا يعنيك. . . وعليك أن تعمل حسب ما أوصيك به - خذ خمسة جرامات من المسحوق الفارسي، ومثلها من بذور البطم، وعشرة جرامات من الزنجبيل، ومثلها من الهند شعيرية، ومثلها من روح الزرنيخ، واسحقها كلها معا، ثم اطبخها بالزيت، واصنع منها لزقات. . .
قلت ومن أين آتي بهذه العقاقير؟
قالت - أطمئن فأنا أجلبها من البلاد البعيدة بواسطة الحجاج. . . ولك أن تثق بخبرتي ومهارتي. . . والآن هات جنيهاً على الحساب. . .
وبعد أن قضيت أسبوعين وأنا في هذه الرحلة الشاقة بين الطب والوصفات البلدية، ذهبت