استنكرناه من ابن العميد، فقد كان بديع الزمان طويل اللسان، حاد القذف، متطاولا على غيره جاحدا حقوق أولي العلم والفضل، فكيف يعترف بشهر رمضان وقد فتح له ابن العميد الباب على مصراعيه فقال ما قال!
وإذا كنا نستثقل لآن صوم رمضان في وقدة القيظ وحرارة الصيف فقد وجدنا ابن عون الكاتب يستثقله في فصل الربيع إذ يرى أنه زمان البهجة، واوان المتعة واللذاذة، فلا ينبغي أن يكدر بالصوم وفي ذلك يقول
جاءنا الصوم في الربيع فهلا اخ ... تار ربعاً من سائر الأرباع
وكأن الربيع في الصوم عقد ... فوق نحر غطاه فضل قناع
وإذن فالصوم عنده في الربيع قناع أسدل على نحر مضيء فمنع إشراقه وحجب التمتع برؤيته
أما القاضي الفاضل - وهو من المولعين أيضا بمحاكاة ابن العميد - فقد نظم قصيدة خمرية طويلة جرى فيها مع اللذات إلى أبعد شوط وقد حرص على أن يهاجم في مبدئها شهر رمضان - تقليدا أستاذه - فقال
قضى نحبه الشهر بعد المطال ... وأطلق من قيده فتر الهلال
وروض كاتب جنبي اليمين ... واتعب كاتب جنبي الشمال
فدع ضيقه مثل شد الإسار ... إلى فرجه مثل حل العقال
وهو بذلك قد وجه نظر أمير الشعراء رحمه الله إلى هذا المعنى بذاته فقال ولكن في أسلوب أروع ونسج أحكم
رمضان ولى هاتها يا ساقي ... مشتاقة تسعى إلى مشتاق
ما كان أكثره على ألافها ... وأقله في طاعة الخلاق
بالأمس قد كنا سجيني طاعة ... واليوم من العيد بالإطلاق
ولا أدري كيف وقع شوقي بهذا وهو الذي باهي بنسكه وتبتله حين قال
وأشهد ما آذيت نفساً ولم أضر ... ولم أبلغ في جهري وفي خطراتي
ولابت إلا كابن مريم مشفقاً ... على حسدي مستغفراً لعداتي
وعلى كل فإن هذه الحملة الظالمة التي قام بها الأدباء على رمضان لم تستطع أن تزحزح