فدنوت من الحمار ثم تظاهرت بأنني أسرّ في أذنه حديثاً موجزاً.
فاشتدت دهشة الناس مما رأوا. ودفعهم الفضول إلى سؤالي عما همست به في أذن الحمار. فقصصت عليهم قصتي بمسمع من اللص، ثم ختمتها قائلاً:
وهاأنذا أجد صاحبي قد خالف عهده، وأغضب أمه مرة أخرى، فلم يلبث أن عاودته حماريته وزايلته آدميته. فلم أتمالك أن أسررت في أذنه معاتباً:
(لقد حذرتك - يا صاحبي - هذه العاقبة، فلم تسمع. فلا تلومن إلا نفسك). ولم يكد الحاضرون يستمعون إلى هذه القصة حتى استغربوا (أي: أغرقوا في الضحك).
وشعر اللص الأفاك بالحرج، فتسلل هارباً وترك لي حماري، فعدت به إلى داري، وقضيت يومي راضياً محبوراً، قرير العين مسروراً.
وسرق بعض الأشرار مقود حماري، فبحثت عنه طويلاً فلم أجده. وبعد أيام رأيته معلقاً في رأس حمار أكبر من حماري. فلم أكد اقترب منه حتى رأيت صاحب الحمار - وكان شريراً فاتكاً معروفاً - ينظر إليّ شزراً.
فتذكرت قصة الساحر والتاجر، وقلت متظاهراً بأنني أحدث نفسي: (يا للعجب العاجب! هذا رأس حماري، ولكن ما بال جسمه قد تغير).
فكاد اللص يستلقي على قفاه من شدة الضحك، وتجاوز لي عن المقود طائعاً مختاراً.
واستيقظت قبيل الفجر ذات ليلة على صوت لص، فصبرت عليه حتى سرق كل ما في البيت من متاع، وتسللت في أثره مقتفياً خطواته - وهو لا يراني - حتى بلغ داره. فلم يكد يراني حتى تملكه الدهش والحيرة. فنظر إليّ يسألني: كيف جئت إلى هنا؟
فقلت له مداعباً: (جئت لأعرف الدار الجديدة التي انتقلت إليها).
فاستظرف إجابتي، واستحسن دعابتي، ورد إلي أثاث بيتي ولم ينلني منه أذى بعد ذلك اليوم.
وشعرت ذات ليلة بلص يقتحم داري فاستولى عليّ الخوف، وأسرعت إلى خزانة صغيرة فاختبأت فيها بين ثنايا الفرش، وكنت أعلم أن الدار خالية والحمد لله مما يسرق. وقد بحث اللص طويلاً فلم يظفر من بحثه بطاثل. وهم بالخروج، ولكن خاطراً دفعه إلى فتح الخزانة، فلما رآني صاح فيّ غاضباً: