للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهم مكرهون أو مختارون، فلماذا أبطل عواطف الأسرة وأواصر الأبوة والأمومة، لأن بعض الآباء والأبناء ينتفعون بجهود أبنائهم ويسرفون في الانتفاع، ولم يبطل عواطف (الأنانية) وحب الذات أو حب البقاء، لأن أناساً من الخلق يجورون على أبدانهم وأذهانهم وهم يعملون لجمع الحطام؟ لماذا تكون الأسرة (غير طبيعية)، لأنها تسخر للمنفعة ولا تكون (الأنانية) غير طبيعية كذلك لأنها تسخر للمنفعة على هذا المنوال؟

إن حاجة النفس الإنسانية إلى وشائج الأسرة لم تبطل قط في مجتمع من المجتمعات، وإن آداب الاجتماع قد تفيد في إصلاح الأسرة أو وقايتها من عيوب الأفراد سواء كانوا من الآباء أو الأبناء. ولكن المجتمع لا يملك دليلاً واحداً يحوله إلغاء الأسرة - إن أراده - حتى لو صح أن المرجع إليه وحده في نشأة السرة وتتابع أطوارها، لأنه يقيس على غير شيء حين يقيس المستقبل على الماضي في هذه القضية، ويعتسف طريقاً جديداً لا مسوغ لاعتسافه من الطبيعة ولا من الاجتماع

ولست أعني بما تقدم أن كتاب الأستاذ عبد الواحد ينحو هذا النحو أو يفضي إلى هذه النتيجة، لأنه في الواقع لم يعد تقرير الحقائق الاجتماعية التي يحصلها أساطين هذا العلم ممن لا يدينون بالماركسية، ولعلهم ينكرونها إذا عرضوا لها بالبحث والمناقشة، ولكنني عنيت أن الكلام عن الأسرة في زماننا هذا خليق أن يقترن بالحذر والحيطة لئلا يؤخذ على غير مأخذه أو يعين على غير قصده. ولهذا رجعنا بنظام الأسرة إلى مرجعه من غرائز الحياة في أبسط الأحياء، ولم نشأ أن نقصر الحكم فيه على الاجتماع أو من يصطنعون الدعاية الاجتماعية، لأن الأمر أعظم وأبقى مما تتناوله المذاهب والدعوات

عباس محمود العقاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>