فهل بعد هذا يحتقر بعض الأمم شئون الفرد الواحد ويتركونه مهملاً، زاعمين أنه لا وزن له إزاء الأمة أو العالم؟!
وهل قام الخير، أو قام الشر إلا بواحد؟ الواحد هو أساس العدد اللانهائي.
وهكذا إذا أراد الله أن يتصل بالناس جميعاً اتصال تغيير في نظمهم المعاشية والسياسية والدينية، وضع يده في قلب واحد، وسلط منه تياراً خفياً على الجميع. فإذا كان يريد خيراً بالعالم أطلق تيار الخير من قلب رجل خير، وإذا كان يريد نقمة وقصاصاً أطلق تيار الصعق والحرق السريع أو البطيء من قلب رجل شر.
فلنجتهد أن نجعل قلوب الأفراد مواضع ليد الله حين يريد الخير.
والعناية والمشيئة الإلهية التي تخرج وجوه الناس ونفوسهم وعقولهم صوراً شتى متمايزة مهما كثرت الأعداد، بحيث لا يتشابه وجهان، ولا يتماثل عقلان في كل شيء حتى ولو كانا لتوأمين، ترشدنا إلى أن نرى في كل فرد جانباً متميزاً من الإنسانية، وأنه موضع عناية وقصد من مخرجه.
ولو فهمت الدولة قيمة القصد في الفرد الواحد وخطره في الحياة في حالتي صلاحه وفساده، إذن ما كانت تسمح لنفسها أن تترك فرداً دون أن تمر عليه بمنظار مكبر يكشف عن أدوائه ومنافعه.
فالفرد إما بؤرة ظلام نجس وفساد متنقلة تحمل الجراثيم الفتاكة معها حيث حلت. . . وإما بؤرة صلاح وطهارة وإشعاع تحمل وتعكس عوامل الحياة والجمال معها حيث حلت. وشتان ما بينهما! فكيف تهمله الدولة هذا الإهمال الشنيع وهو ما هو في جسمها؟!
لو أفلت فرد شرير شيطاني من قيادتها وحراستها إذا لعاث فساداً في حرثها ونسلها وعمرانها. ولو ضاع فرد ملكي من رعايتها وتعهدها وتشجيعها، إذاً لضاع عامل عظيم من عوامل نموها وارتقائها وسعادتها. ولعل فيه ما يرفع النوع كله.
ويظن أكثر الناس أنه يكفي لإنشاء (الفرد الإنساني) أن تطرح بذرة منوية في رحم من الأرحام، تولد بعد مدة، فتنمو حتى تكون ذلك الجسم المعهود الذي يملأ أسواق الحياة، ونسوا أنهم في إنشاء شجرهم وغراسهم وحيوانهم يسلطون يقظتهم وعملهم وتعهدهم الدائم،