ثم قصد (إبسن) كريستيانا بمدينة أسلو، للالتحاق بإحدى الجامعت، وهنالك تعرف بعدد من الشبان الأوغاد ومن بينهم (بجورنسن) ? الذي بادله صداقة بصداقة ولازمه إلى نهاية عمره، غير أن صداقتهما كانت تتعرض بين الحين والحين إلى الخصام الوقتي والجفاء القصير الأمد
وبما لصديقه أول بل لاعب الكمان الأشهر من نفوذ، عين هنريك إبسن عام ١٨٥٠ في المسرح الصغير بمدينة برجن، وكان يقوم بدور شاعر المسرح وراويته، ثم عمل في لجنة مطالعة المسرحيات، وفي لجنة كتابتها، ثم عمل مديرا للمسرح، فأصاب من كل هذا اختباراً مهد له سبيل الظهور، وإلماماً بدقائق المسرح وتفصيلاته مكنه من تصميم المناظر في روائع أدبه، كمهندس بارع ومفتن قل من يجاريه أو يدانيه. . .
وفي عام ١٨٥٨، تزوج إبسن من الآنسة سوزانة تورسن وهي فتاة من برجن ذات شخصية قوية وعقل راجح؛ فكرست حياتها لمساعدة زوجها على تحقيق أمانيه، وتوسيع مدى نشاطه. فكانت له نعم الزوج، ونعم الرفيق. . .
وإذ كانت حرب دانماركة مع بروسيا مشتعلة الأوار عام ١٨٦٢ غادر هنريك إبسن نروج إلى روما مزوداً بإعانة حكومية قدرها أربعمائة من الجنيهات. وفي تلك الحاضرة الخالدة كعبة الإمبراطورية الرومانية الزائلة، ازدهرت في إبسن ملكة الشعر وتأصلت، وتغير أفق خياله متخذاً لوناً جديداً وأسلوباً جديداً. فكانت أول ثمرة نضجت له في هذا المهجر مسرحيته الشعرية التي امتدحت حال ظهورها، واستقبلت من الجمهور بنهم عجيب. فأخذ إبسن يصعد درجات الشهرة الظافرة والنجاح الأكيد بخطوات حثيثة وقدم لا تلين، إذ سرعان ما أخرج للعالم مسرحيته الشعرية الخيالية التي تعد أجود ما كتب وأفضل قطعة أدبية أخرجها للوجود. وقد اقتبس إبسن مناظر هذه الرواية من مسقط رأسه (سكين) فعرض جماله ونوه بسحره. وجسم هضابه ووديانه
وفي عام ١٨٦٨، كانت الحوادث تنذر بسوء، وتهدد سلامة إيطاليا. فانتقل كاتب نروج الأول إلى مدينة درسدن التي جعلها مقراً وملاذاً لسنوات طوال، شهدت مولد طائفة من الروايات الاجتماعية، ورأت كيف يشيد إبسن مجده ويوطد مركزه الأدبي الذي انفرد به في عصره