بغير رقيب أو دليل، وإذا سمح له بالطواف في المواطن البعيدة عن الأسرار والخفايا، فلا ينقضي أسبوع على معاشرته لفرد من الأفراد أو فئة من الفئات إلا أسرع الحاكمون بتبديله وإحلال آخر أو آخرين في محله، حتى لا تنعقد بين السائحين المستقلين وبين أحد من الروسيين صلات وثيقة تطلق عقال الألسنة وتكشف كوامن الصدور
ولا حاجة بنا بعد هذا وذاك إلى ملاحظات السائحين المستقلين لإدراك هذه الحقائق الغنية عن الدليل، فحسبنا أن حرية الكتابة مكبوحة في روسيا منذ نيف وعشرين سنة لنعلم أن بواطن الأمور غير ظواهرها وأن رعايا الشيوعيين لا يملكون الإفضاء بما في ضمائرهم لأبناء وطنهم فضلاً عن الغرباء الطارقين الذين يحاطون بالرقباء والإدلاء من قريب وبعيد
ولا نزال نذكر الفكاهة التي رويت على لسان الفلاح الروسي حين سمح له بالتحدث إلى العالم الخارجي من محطة الإذاعة العامة على شريطة أن يفوه بكلمة واحدة ولا يزيد عليها فكانت كلمته التي جمعت كل ما أراد الإفضاء به إلى العالم الإنساني كله هي:(النجدة!) ولاذ بعدها بصمت الأموات
فحسبنا أن المذهب في أصول النظرية غير معقول وأن أقطابه لا يقدرون على تطبيقه إلا بعد الانحراف عنه والتعديل فيه، وأن الأقوال التي تصل عنه إلى العالم الخارجي لا تخلو من حجر ورقابة، وهذه كلها حقائق متفق عليها حسبنا كما قلنا أن نعلمها لنعلم أن الحذر من تصديق ما يقال هو أقل ما تقابل به تلك الأقوال
وليست كل التعليقات جداً كهذا التعليق الذي ألمعنا إليه من كلام (البورس إجبسيان)
فهناك تعليقات الأوشاب!
وهناك تعليقات عبيد المعدة!
وهناك تعليقات الماديين الذين يفسرون كل شيء بالماديات!
والأوشاب وعبيد المعدة والماديون هي كلمات مرادفة لكلمة الشيوعيين باعتراف هؤلاء الشيوعيين الفخورين!
وهؤلاء - أو أذناب هؤلاء - يقولون إنني لا أكره الشيوعية ولا أكتب ما أكتب عنها إلا لأنني قبضت من أعدائها خمسة آلاف جنيه للتشهير بها في بضع مقالات
ولكني أكتب ما أكتب اليوم عن الشيوعية منذ كانت الشيوعية، أو منذ عشرين سنة على