للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أغلبية السكان تنبذها، ولكنها كثيراً ما تنبح عندما ترى أحداً يلبس الملابس الإفرنجية. وتضايق المارة ليلاً، وهذه الكلاب مفيدة لأنها تأكل سقط الذبائح التي يرمي بها من حوانيت الجزارة والبيوت، كما أن الكثير منها يتردد على أكوام الزبالة حول العاصمة فتقتات مع الصقور من رمم الجمال والحمير التي تنفق في المدينة. وأغلب الكلاب صهب اللون، والظاهر أنها تماثل بنات آوى شكلاً وميولاً.

ولا يمنع رأي المسلمين في الكلاب من الاحتفاظ بها للحراسة وأحياناً للتدليل. وقد حدث من زمن قصير حادث غريب من النوع الأخير، فقد اتخذت امرأة وحيدة في هذه المدينة، كلبا يؤنسها في وحدتها. فاختطف الموت هذا الأنيس الوحيد، فعزمت المرأة لحزنها وعطفها عليه أن تدفنه كأي مسلم في قبر لائق في مدافن الإمام الشافعي المقدسة. فغسلت الكلب طبقاً للقواعد المرعية عند وفاة المسلم وكفنته في كفن جميل ووضعته في نعش، واستأجرت نادبات وأقامت مأتماً حقيقياً. ولم يتم ذلك دون أن يثير عجب الجيران الذين لم يستطيعوا معرفة المتوفى ولم يتدخلوا لأنه لم يكن بينهم وبينها ألفة قط. ثم استأجرت المرأة مرتلين ليتقدموا الجنازة وتلاميذ لينشدوا ويحملوا القرآن أمام النعش. وسار الموكب في نظام مهيب، وتبعت المرأة والنائحات النعش وهن يملأن الجو بصراخهن؛ غير أن الموكب لم يسر كثيراً إذ اجترأت إحدى الجارات وسألت السيدة الحزينة: من المتوفى؟ فأجابتها: (إنه ابني المسكين) فكذبتها السائلة فاعترفت الثكلى بأنه كلبها ورجت جارتها الفضولية أن تكتم السر؛ إلا أن احتفاظ المرأة المصرية بالسر، وبسر مثل هذا، مستحيل. فأذيع الخبر في الحال، وسرعان ما تجمع جمهور غاضب أوقف الجنازة. وصب المرتلون والمنشدون غضبهم على مستخدمهم، حالما استخلصوا منه نقودهم، لأنه مكر بهم. ولو لم يتدخل الشرطة لذهبت المرأة على الأرجح ضحية هياج الشعب

والعجيب أن القطط الشريدة في مصر تطعم على نفقة القاضي. فيوضع في الساحة الكبرى أمام المحكمة عصر كل يوم مقدار من سقط الذبائح وتدعى القطط معاً لتأكل. وقد وقف السلطان الظاهر بيبرس على القطط، كما علمت من كبير كتاب القاضي، حديقة تسمى (غيط القطط) بجانب مسجده شمالي القاهرة. ولكن هذه الحديقة باعها الأمناء عليها ومشتروها على التوالي. وقد باعها السابقون بحجة أنها خربة فلا تصلح للإنتاج إلا بعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>