أنها من البسيط، ومن قائل أنها من الرجز، ومن قائل أنها خليط منهما، وذلك أنك تراه يقول في مطلعها:
أقفر من أهله ملحوبُ ... فالْقُطَّيِبَّاتُ فالذّنُوبُ
وهذا من مخلع البسيط، ثم تراه يقول:
أفلحْ بما شئت فقد يُدرَكُ بالض ... عفِ وقد يُخْدَعُ الأريبُ
وشطره الأول من الرجز، وشطره الثاني من مخلع البسيط
ثم يقول بعد هذا في اختلال وزن واضطراب قافية:
لا يعظ الناسُ من لا يعظ الدّ ... هْرُ ولا ينفع التَّلْبِيبُ
إلا سَجِيّاتُ ما لقلوبِ ... وكم يصيرَنَّ شائنا حبيبُ
وقد ذكر ابن رشيق أن هذه القصيدة كادت تكون كلاما غير موزون بعلة ولا غيرها، حتى قال بعض الناس: أنها خطبة ارتجلها، فاتزن له أكثرها
والحق عندي أن هذه القصيدة تمثل أولية الشعر العربي خير تمثيل، وتبين أنه لم يكن له أوزان محدودة يتقيد بها، ولا بحور متميزة لا يتعدادها، ولا تجري فيه الحركات والسكنات على لحن مطرد، لا يتغير ولا يتبدل في القصيدة الواحدة، وإن عبيدا في هذا يمثل بين شعراء عصره حال الشاعر المتخلف، لأنه لم يتهيأ له من أسباب النهوض ما تهيأ لهم، فجرى في شعره مجراه الأول، ولم يعبأ بما تقيد به شعراء عصره في أمر الوزن
ومما يروى لعبيد أيضاً من الشعر المختل الوزن قوله:
هي الخمر تكني الطَّلاَ ... كما الذئب يكنى أبا جعده
ومما وقع من هذا الشعر قول علقمة الفحل، وهو شاعر قديم
دافعت عنه بشعري إذا ... كان في الغد أجحد
فكان فيه ما أتاك وفي ... تسعين أسرى مقرنين في صفد
دافع قومي في الكسر إذ ... طار بإظهار الظباة وقد
فأصبحوا عند جفنة في الأغ ... لال منهم والحديد عقد
إذ مجنب في المجنبين وفي ... النكهة عن باد ورشد
فهذه القطعة مما أدخل في جملة شعر علقمة، وهي مختلة الوزن حتى قال بعضهم إنها