للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المرقع، ولا ينال منه التعب، وليس له من الأغراض سوى أن يزيد الإسلام نصراً على نصر؛ وهؤلاء هم الصحابة والأنصار والأبرار، ثم الخلفاء العظماء والقواد الكبار: معاوية وعبد الملك والوليد وعمر وعبد الرحمن، وأبو جعفر المنصور والرشيد والمأمون، وأسامة، وأبو عبيدة، وأبن العاص، وخالد، وعقبة، وطارق، وأبن نصير، والحجاج.

رحم الله الجميع بما خدموا الإسلام في الفتح بالعقيدة والحسام والله (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذّكر إلا أولوا الألباب).

طغي الحكم المطلق لعهد المعتصم وبعده في جماعات إسلامية مختلفة دماؤها وذكرياتها القديمة؛ تقرأ في الكتاب المجيد: (إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون)؛ وترى الموالي يبلغون أسمى المراتب، ويداخلها من روح الإسلام الآمر بالشورى والعدل ما يشبه شعور الديمقراطيات في أيامنا بلذة المساواة والحرية، فكان التناقض بين ذلك الطغيان وهذا الروح سبباً من أسباب قلقٍ سياسي واجتماعي مستمر في تلك الجماعات.

وجاء الانحطاط مع ضِعاف الخلفاء ذكاءً وعقلاً، فأصبحت الخلافات العباسية من عهد المعتصم متعثرة في غير الطريق الأقوم تزداد فيها القسوة ويقل التسامح، وتكثر الفتوق والمطامع والمطامح، ويتعدد الانقسام وتنفصل الولايات؛ ثم كثرت حركات الاستقلال في القرون التالية، وتضاعف عدد الأسر الحاكمة في كل صوب، فداول الله الأيام بين الدويلات حتى تضعضع الدهر بالشعوب الإسلامية، وأمست بلادها في النهاية أسواقاً للغاشمين ومستغلات ومسالك للغالبين، ومستعمرات تتبدَّل أسماء بأسماء، ولا تتغير المسميات (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)؛ (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم).

أما ذلك الطود الأشم، العزيز بالتوحيد، الثابت على قواعد الإسلام الخمس وحِكمه الخلقية وعلى السّنة المحمدية، فهو راسخ لم تذهب به زعازع القرون، ولن تذهب.

ولقد أثبت نجاح الدعوة نجاحاً متواصلاً أن الأخلاق الإسلامية لاءمت كل العصور، ودلَّ على أن الإسلام يوائم نور العقل الإنساني. وقد أيد مبشِّرون مسيحيون أن هذا الدين القويم ينتشر ويمد رواقه في الآفاق؛ وبديهي أن هذه الشهادة هي، بالنظر إلى علة انتشاره، إقرار

<<  <  ج:
ص:  >  >>