للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأديب بعدد كتبه القيمة. . .

ولكننا نرى في أدبنا، أن أي أديب سوري شهير - في عُرف السوريين فحسب (ولم أشفع معهم المصريين لقلة اطلاعهم ونقص معرفتهم في هذا المضمار) - لا تربو مؤلفاته عن الخمسة، وأكثر هؤلاء الأدباء تقل مؤلفاتهم عن ذلك بكثير أو قليل

قد يتجه للقارئ هنا أنه قد يكون عزبَ عن بالي أمرُ المؤثرات في البيئات، وهذا أمر له قيمته وشأنه. ولكنك إذا استقرأت جميع المؤثرات في الأدب، وقارنتها بين الأديبين فإنك تراها تختلف اختلافاً يسيراً ليس من شأنه أن يؤثر هذا التأثير العظيم في النتاج الأدبي لكل من البلدين. فالوسط الذي يعيش فيه كلا الأديبين يكاد يكون واحداً، والمجتمع كذلك باعتبار أنه مجتمع عربيٌ أماله واحدة، وغايته واحدة، يتكلم لغة واحدة، والغالب فيه يدين بدين واحد، وتحكمه حكومة واحدة. . . الخ. وأما البيئة الطبيعية فتختلف كثيراً بين جو مصر الثابت، وبين جو سوريا المتبدل المغيّر بحسب الفصول؛ وأنا أرى أن التبدل الجوي في سوريا هو في صالح فكر أدبائها، لأنه دائماً يتلون بلونه ويتأثر أكبر الأثر به؛ فجو مصر الثابت يورث العقل المصري جواً ثابتاً فلا يتغير التفكير إلا بقدر. وأما جو سوريا المتبدل فيورث العقل جواً متبدلاً يمد هذا التفكير بأسباب الاضطراب الدائم، والحركة المختلفة، فيتمخض عن ألوان من التفكير كثيرة، وضروب من العاطفة وفيرة

والآن أعود - بعد أن كاد القلم يشط - إلى تعليل سبب هذا البون الشاسع في النتاج الأدبي

إن الأدباء المصريين لا يألون جهداً، ولا يدخرون قوة في الكتابة، بل يدأبون على امتصاص مداد القلم، وعلى ترشف ماء معانيه، فيكتبون ويكتبون ولا ينصبون، وينهال عليهم الإطراء والتشجيع فيزدادون. . . أجل إنهم يزدادون. . . وهذه الحركة الدائبة في الكتابة تفسح أمامهم طرقاً واسعة لا حبةٌ في التفكير، وتحسر لأعينهم عن مجال جمة فينظرون ويتأملون، وينهلون كأنهم لا يرتوون.

وهم يحسون - إذا ما اضطرتهم ظروف قاسية إلى الانصراف عن الكتابة - بضيق شديد يبرمهم ويؤلمهم، ويستشعرون حنيناً مشبوباً إلى (العودة إلى الروض. . .)

لهذا كله، أضحى نتاجهم الأدبي ضخماً غزيراً لا ينضب معينه، ولا يجف مداده

وأما الأدباء السوريون واللبنانيون فهم على عكس ذلك، وهذه هي الحقيقة المؤلمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>