للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وما خطبه بعد ذلك؟ - نضر الله وجهه - امتدت يد غادرة من وراء ظهره، فعبثت بحريته، ثم عبثت بحياته الدنيا، لكنها - الحق - قد أطلقت روحه إلى أعلى عليين، فإذا موته حياة، وإذ ذكره خلود، وإذا سيرته سناء. . .

ويا فرق ما بين ثبات الأعزاء، وبين فرار هؤلاء الأذلاء، وبضدها تتميز الأشياء

نشأ (عمر المختار) ببرقه، من أبوين مسلمين، لقناه العقيدة الإسلامية، وثقفاه بالقرآن الحكيم، ونشأه أبوه (المختار) في زاوية (الجغبوب) في البيئة السنوسية، تلك البيئة التي تلهم النفس فجورها وتقواها، وتفقهها أن قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها، ثم تبعث في الإنسان: حرية الإرادة وحرية الفكر، وسلامة الرأي وصفاء الطوية؛ وقلما ينحرف ربيب تلك البيئة عن الفطرة النقية: فطرة الله التي فطر الناس عليها

فلما بلغ (عمر) أشده واستوى، اكتملت فيه معاني الرجولة، وبرزت صورته صورة (للرجل الكامل المسلم)

اختاره - في صدر شبابه - (السيد المهدي السنوسي) ليرافقه في رحلة إلى السودان، وكانت فراسة السيد المهدي فراسة صادقة، فقد اجتمع حول (عمر) بالسودان رجال أولو بأس وأولو قوة، عرفوه بالحاسة الصادقة، وعرفهم بنور الله؛ ثم أحبوه وأكبروه وأعظموه

والسيد المهدي معنى بأمره، معجب بإيمانه، يرى أنه قد جمع - في برديه - ما تفرق من القبيل وتناثر في الرجال، فكان يقول: ليت لنا عشرة كعمر، إذن لفتحنا بهم كل قلب موصد، وأنرنا كل بصيرة مطموسة. .! ثم تركه في السودان يعلم الناس الرجولة الإسلامية

عقد الصلح الأبتر بين تركيا القديمة وبين الطليان سنة ١٩١٢م واشتعلت نيران الحرب في البلقان، واستقدمت الدولة (أنور) فسلم الآمر (لعزيز) المصري، وهم (عزيز) أن يدع القتال وأن يذهب إلى الحدود المصرية، فتحرج الموقف، وثارت روح عاصفة عنيفة بين المجاهدين؛ وأخذ كل فريق يكافح الفريق الآخر، وتمشت فتنة عمياء صماء، وكاد المجاهدون يخربون بيوتهم بأيديهم

وهنا تتدارك الجميع رحمة الله، ويظهر الفيصل المغوار (عمر المختار) فيطفئ نيران الشر، ويجدع أنف الفتنة، ويهيب بالمختلفين: يا للفضيحة ويا للعار. . .! لو تسامعت الأمم: أن المجاهدين قد أصبحوا - وبأسهم بينهم شديد - تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى

<<  <  ج:
ص:  >  >>