نشاهد الآن، وأن ما نظنه سبباً للإبصار أو الكلام والموت أو الحياة أو ما نعتقده أداة لشيء من هذا ونحوه ليس كذلك في نفسه، بل لأن الله قدره هكذا أزلاً. وفي ذلك يقول:(الاقتران بين ما يعتقد في العادة سبباً وما يعتقد مسبباً ليس ضرورياً عندنا. . . فليس من ضرورة وجود أحدهما وجود الآخر، ولا من ضرورة عدم أحدهما عدم الآخر. مثل الري والشرب، والشبع والأكل، والاحتراق ولقاء النار، والنور وطلوع الشمس، والموت وجز الرقبة، والشفاء وشرب الدواء. . . وإن اقترانهما لما سبق من تقدير الله سبحانه بخلقهما على التساوق لا لكونه ضرورياً في نفسه. بل في المقدور خلق الشبع دون الأكل، وخلق الموت دون جز الرقبة، وإدامة الحياة مع جز الرقبة وهلم جرا إلى جميع المقترنات، وأنكر الفلاسفة إمكانه وادعوا استحالته).
إذاً فعند الغزالي أنه يمكن أن يجعل الله العين أداة وسبباً للشم لا للإبصار، والأذن للشم لا للسمع، وأن يخلق الشبع دون سببه وهو الأكل، والري دون الشرب، وهكذا إلى سائر الأمور التي نعتقدها أسباباً تتلوها حتما مسبباتها.
أما ابن رشد - وقد جعل من نفسه مدافعاً عن الحكمة، وهي كما يقول: صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة - فيرى أن لكل شيء سبباً لا يتخلف عنه، ولكل عضو عملاً لا يعدوه، وأن (العقل ليس هو شيئاً أكثر من إدراكه الموجودات بأسبابها وبه يفترق عن سائر القوى المدركة، فمن رفع الأسباب فقد رفع العقل. وصناعة المنطق تضع وضعاً أن هاهنا أسباباً ومسببات، وأن المعرفة بتلك المسببات لا تكون على التمام إلا بمعرفة أسبابها فرفع هذه الأشياء هو مبطل للعلم ورفع له) ثم يعود إلى تأييد نظريته هذه في موضع آخر فيقول: (ولو ارتفعت الضرورة عن كميات الأشياء المصنوعة وكيفياتها وموادها كما تتوهم الأشعرية مع الخالق لارتفعت الحكمة في الصانع والمخلوقات. . . إلى أن يقول: وهذا كله إبطال للعقل والحكمة).
على أنه لا يجب أن يتبادر للذهن أن ابن رشد، الرجل الدين كان يرى اكتفاء الأسباب بنفسها في خلق مسبباتها. فمن الحق أن نقول إنه يقرر (أنها ليست مكتفية بأنفسها في هذا الفعل بل بفاعل من خارج فعله شرط في فعلها بل في وجودها فضلاً عن فعلها).
أعتقد أن القارئ يرى معي بعد ما سقناه من كلام الغزالي وفيلسوف قرطبة، أن الدكتور طه