ذلك أنه في أوائل القرن الثاني قبل الميلاد شيدت في بمبي عمائر على نمط لا يختلف في الجوهر والمجموع الإنشائي عن ذلك الذي بني للمرة الأولى في الإسكندرية، حتى الزخارف التي عملت على حوائط هذه العمائر فإنها شملت ذلك الطابع الإسكندري المميز، والذي يقرر تأثرها بها أفصح تقرير
هذا فضلاً عن أن العارف بتاريخ الفن الدارس لأصوله يذكر جيداً أن المشيدات التي أنشئت في منتصف القرن الأول قبل الميلاد، سواء أكان ذلك في منطقة كمبانيا أم في روما، وسواء فيما يتجلى على البناء المقدس للآلهة (بانتيون أجريبا) أو بناء مسرح بومبيوس أو قصر نيرون الذهبي كلها تدل على أنه لا مفر من الاعتراف بوجود أثر الفن الإسكندري فيها.
ظهرت بعد هذه المرحلة صور رائعة هي تلك التي رسمت على أغطية توابيت الموتى، والتي قصد بها الاستعاضة عن الأقنعة الذهبية التي كان المصريون الأقدمون يعملونها على الأغطية لتمثيل وجه الميت.
وكان ظهور هذه الصور تدريجياً ونادراً ومرتبطاً بنتائج الحفريات التي عملت في الفيوم منذ سنة ١٨٨٨ ولكنه على جانب من الكثرة التي تسمح بالدرس والتأريخ.
وقد اخترنا ثلاثاً منها تعطي فكرة صحيحة عن قوة التصوير ودرجة إتقانه، فبالنظر إليها نلاحظ جمال الملامح وحسن التعبير ونبل الإخراج، إلى جانب ما يبدو على الوجه ويشع من العينين من تأثر نفساني عجيب.
وكان تصويرها بالألوان على خشب الجميز أو اللبخ على ما نظن وكذلك على قماش التيل - وكانت توضع على التابوت أو تثبت في غطائه مكان الرأس
وكانت الألوان معدنية مخلوطة بالشمع أو بصفار البيض أو بالغراء وأحياناً بهما معاً، يرسم بها (ماعدا ما كانت بالشمع) على سطح مدهون بالجبس أو الطباشير.
ويتضح من الكتابات التي نقشت على لوحات صغيرة ووضعت مع التوابيت أو في داخلها أو التي كتبت على بطاقات صغيرة من الخشب وثبتت إلى جانب العنق - أن أصحاب هذه الصور كانوا من الإغريق، وبالرغم من هذا فإنه لا يمكننا الارتكان إلى ذلك لمجرد علمنا بأنه حتى لو كان الإغريق قد تعودوا عادات المصريين في طريقة التحنيط والدفن