للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حادث على الوجه الذي تكلم به الإمام الغزالي، والغربي يعتقد أن العالم قديم على الوجه الذي تكلم به ابن رشد فيلسوف قرطبة، و (تهافت الفلاسفة) و (تهافت التهافت) هو الحد الفاصل بين هذين الاعتقادين: اعتقاد في حدوث العالم من جهة المتكلمين، واعتقاد في مقدمه من جهة الغربيين انتهت إلى صورة في الفكر الإسلامي على أنها من آراء الفلاسفة الواجب تكفيرهم من أجلها. وبعد فهذه المسألة معروفة لطالب الثانوي من طلبة المعاهد الدينية في مصر، وهم يدرسونها في علم التوحيد (الكلام) فكيف بعد ذلك يسمح كاتبنا المفضال لنفسه أن يتخذ من هذه الأولية مثاراً لاعتراض؟!. . .

هذا وقد وقف الفاضل في القسم الثاني من تعليقه في الرسالة يغمز غمزات ويدير الكلام على وجه لا يتفق مع الحقيقة، من ذلك أنه علق على قولنا (انتهى الغربي إلى أن إرادة الله مقيدة بنظام الكون وأفعاله قائمة على عنصر اللزوم والاضطرار بعبارة من عنده قائلاً: كلام من؟ وأي كلام هذا؟. . .

أما كلام من؟ فالإجابة هينة: هو رأي الفكر الغربي إذا ما آمن بالله! وإذا أراد باحثنا الفاضل أكثر من ذلك قلنا له إنه رأي الفلاسفة من المسلمين ذلك أن هذا الرأي قائم على الاعتقاد بأن وجود العالم صادر عن الله بطريق التعليل. أما استنكار الكاتب هذا الكلام فليس لنا في هذا الكلام شيء فنحن نقرر الواقع، ولكن لنا أن نتساءل: لم هذا الاستنكار؟

أليس هذا رأيا يدرسون في كلية (أصول الدين) بالأزهر دلائله ويناقشونها مناقشة جدلية صرفة؟ أليست كتب الكلام فيها عشرات الصفحات في مناقشة هذا الرأي؟

أليس تكفير الغزالي لابن سينا والفارابي كان من أجل هذا؟ ألم يرد ابن رشد على الغزالي في تكفيره ابن سينا والفارابي من أجل هذا الموضوع في كتابه (تهافت التهافت)؟

وبعد فيظهر أن باحثنا الفاضل نسي أو تناسى كل هذا فوقف يصرخ قائلاً: من قال بأن الغربي يعتقد هذا إلا إذا نقد الجانب العلمي من قوى تكفيره؟ أما هذا القائل فهو أنا. . . ذلك أن الغربي حين نظر للأشياء نظر إليها من ناحيتها المشهودة الواقعة في العالم المنظور، فانتهى عن طريق النظر فيها إلى أن العالم مسوق في سيره بسنن وقوانين ونواميس، وهذا جعله ينتهي بتفكيره إلى اكتشاف الأسلوب العلمي

وقد جاء لنا في ذلك من بحث منشور بالمقتطف م٩٣ ج٤ (نوفمبر ١٩٣٨) ما نصه:

<<  <  ج:
ص:  >  >>