ومما لا شك فيه أن هذه المدارس إن أنشأناها ستكون أنفع لمصر وللبلاد التي تنشأ فيها من كثير من القنصليات والمفوضيات التي نبثها في أقطار الأرض ولا نكاد نجني منها، ولا تكاد البلاد التي نبثها فيها تجني منها نفعا
ومما لا شك فيه أيضاً أن العبء المالي الذي يتبعه إنشاء هذه المدارس لا ينبغي أن يقع كله على الدولة وإنما ينبغي أن يشارك فيه القادرون على هذه المشاركة من المصريين أولاً ومن الوطنيين ثانياً. وحسب الدولة أن تعينها معونة قيمة بالمال والرجال
على هذا النحو تحمل مصر تبعاتها وتنهض بواجباتها الثقافية، وتلائم بين حديثها وقديمها، فقد كانت مصر فيما مضى من العهود الإسلامية مصدر الثقافة والعلم للأقطار العربية في الشرق القريب. لم تقصر في ذلك إلا حين اضطرها السلطان العثماني إلى التقصير فيه. فأما الآن وقد استردت استقلالها فيجب أن تسترد مكانتها الثقافية في الشرق القريب. وهناك بلاد عربية لم ينشئ فيها الأجانب ولا يستطيعون أن ينشئوا فيها المدارس والمعاهد، ولا يجد أهلها فضلا من المال ينفقونه في تنمية الثقافة كما ينبغي. فالحق على مصر أن تسرع إلى معونة هذه البلاد وألا تدخر جهداً إلا بذلته في هذه السبيل، وهذه البلاد هي الحجاز وبلاد الدولة العربية السعودية بوجه عام. وما أشك في أن المصريين يرضون كل الرضى عن إنشاء مدرستين على اقل تقدير، إحداهما في مكة والأخرى في المدينة، بل ما أشك في أنهم يتجاوزون الرضى إلى البذل والإنفاق. وقد علمت أن أهل الحجاز أنفسهم يتمنون ذلك ويلحون فيه
وليس هذا كل ما ينبغي أن تنهض به مصر لنشر الثقافة في الأقطار العربية، بل هناك شيء آخر قد عم الشعور به واشتدت الحاجة إليه حتى أخذت وزارة المعارف تفكر فيه وتستعد له وهو: التعاون على تنظيم الثقافة وتوحيد برامجها بالقياس إلى الأقطار العربية كافة. يدعو إلى ذلك حاجة هذه البلاد إلى توحيد الجهود مادام مثلها الثقافي الأعلى واحداً؛ ويدعو إلى ذلك أن التعليم الحالي في مصر قد بلغ من الرقي درجة تدعوا إليه طلاب العلم في الأقطار العربية، وللتعليم العالي في مصر نظم دقيقة وشاقة قد تحول بين هؤلاء الطلاب وبين الانتفاع والظفر بإجازاته ودرجاته، فلابد من أن يهيأ هؤلاء الطلاب لهذا التعليم تهيئة حسنة تلائم تهيئة المصريين له. وقد اجتمع فريق من قادة الرأي الشرقي