مع جمع المعاني باللغة بالغة إلى أعلى الدرجات، وذلك لأن العرب عبروا عن هذا المعنى بألفاظ كثيرة كقولهم:(قتل البعض إحياء للجميع)، وقول آخرين (أكثروا القتل ليقل القتل)؛ وأجود الألفاظ المنقولة عنهم في هذا الباب قولهم:(القتل أنفى للقتل)؛ ثم إن لفظ القرآن أفصح من هذا، وبيان التفاوت من وجوه) وهي ستة وقد ذكرها، منها:(أن قول القائل: القتل أنفى للقتل لا يفيد إلا الردع عن القتل، وقوله (القصاص حياة) يفيد الردع عن القتل وعن الجرح وغيرهما فهو أجمع للفوائد. إن القتل ظلماً - قتلٌ، مع أنه لا يكون نافياً للقتل. إنما النافي لوقوع القتل هو القتل المخصوص وهو القصاص، فظاهر قولهم باطل، أما الآية فهي صحيحة ظاهراً وتقديراً، فظهر التفاوت بين الآية وبين كلام العرب)
قلت: نسبة الرازي قولهم (قتل البعض إحياء للجميع) إلى العرب باطلة مثل نسبة عبارة القتل إليهم، فقد أطبق الأئمة المحققون على أن العربية الأولى، عربية (الجزيرة) لم تقل في وقت: (الكل والبعض). قال الجوهري في (تاج اللغة وصحاح العربية): (وكل وبعض معرفتان، ولم يجيء عن العرب بالألف واللام، وهو جائر لأن فيهما معنى الإضافة أضفت أو لم تضف) ونقل قول (الصحاح) صاحب (المختار)
وقال أبن منظور في (اللسان): (وقال أبو حائم: قلت للأصمعي: رأيت في كتاب ابن المقفع: (العلم كثير، ولكن أخذ البعض خير من ترك الكل) فأنكره أشد الإنكار، وقال الألف واللام لا يدخلان في بعض وكل لأنهما معرفة بغير ألف ولام. قال أبو حاتم: ولا تقول العرب الكل والبعض وقد أستعمله الناس حتى سيبويه والأخفش في كتبهما لقلة علمهما بهذا النحو فاجتنب ذلك فانه ليس من كلام العرب)
وفي (القاموس): (بعض لا تدخله اللام خلافاً لابن دُرُستُويَه)
وفي (شرح القاموس): (قال أبن سيدة: وفيه مسامحة، وهو في الحقيقة غير جائز. وفي العباب: وقد خالف أبن درستويه الناس قاطبة في عصره. وقال الناقدي:
فتى درستوي إلى خفض ... أخطأ في كل وفي بعض
دماغُه عفَّنه نومُه ... فصار محتاجاً إلى نفض
وقال أبن أبي الحديد في شرح النهج: (وقد استعملت في كثير فيما يتعلق بكلام المتكلمين والحكماء خاصة ألفاظ القوم مع علمي بأن العربية لا تجيزها نحو قولهم الكل والبعض