ما هي تلك القوة الآلية التي تزيد من قدرة أعضائي في حدود هذا الهيكل الجسمي؟ إني لأجهلها. وأولئك الذين قضوا أعمارهم في الفحص عنها، ليسوا أكثر مني معرفة بها.
وما هي تلك القوة الأخرى التي تحمل الصور إلى ذهني، ثم تخزنها في ذاكرتي؟ أما أولئك الذين أجروا بالمال لكي يعرفوا شيئاً، فقد ذهبت كدودهم أدراج الرياح. ونحن وهم في الجهل سواء بالمبادئ الأولية التي تقوم عليها طفولتنا
٣ - كيف أفكر
هل علمتني تلك الكتب التي حبرت في خلال الألفين الفارطين من السنين شيئاً؟ قد تشب في نفوسنا بعض الأحيان رغبة في أن نعرف كيف نفكر، وقلما تقوم في أنفسنا رغبة في أن نعرف كيف نهضم أو كيف نمشي. لقد تساءلت ما هو عقلي؟ والحق أنه سؤال كثيراً ما اربكني
لقد حاولت أن أكشف بقوة عقلي ما إذا كانت المصادر التي تجعلني أهضم وأمشي، هي بنفسها المصادر التي تجعلني أتقبل الفكرات. ولم أستطع أن أدرك كيف وإلى أين تذهب تلك الفكرات عندما يعضني الجوع بنابه السام، وكيف تعود وتتجدد بعد أن أسد نهمة الجوع بالأكل
استبنت فارقاً كبيراً شاسعاً بين الفكر والاغتذاء، بغيره لا أستطيع التفكير، حتى لقد اعتقدت أن في كياني مادة تفكر وأخرى تهضم. ومع هذا وبالرغم من أني رضت نفسي دائماً على الاعتقاد بأن في وجودي شيئين، فإني من الوجهة المادية أشعر شعوراً صادقاً بأنني شيء واحد. على أن هذا التناقض يؤلمني ويؤذيني
سألت بعضهم، وكانوا من أولئك الذين يفلحون الأرض، أمنا العظمى، عما إذا كان كل منهم شيئين، وعما إذا كانوا قد استكشفوا بفلسفتهم الخاصة أن فيهم جوهراً خالداً باقياً، ومع ذلك فهو مؤلف من لا شيء ولا امتداد له، وأنه يؤثر في أعصابهم من غير أن يلمسها، وإن هذا الجوهر قد حل فيهم بعد أن حملت فيهم أمهاتهم بستة أسابيع؟ فظنوا أني أهزل، ومضوا يفلحون الأرض مبتسمين من غير أن يحيروا جواباً