للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزمن ولا (ينفك له تماسك في دورته، وقد عبر عنه أبو التفكير الإنساني الحاضر القائم في العلوم والأدب (أوجزت كنت) في كتبه المتعددة، وخاصة في كتابيه (الفلسفة الوضعية) و (التفكير الوضعي) (وهو يلخص كل فلسفته)، فهو يثبت إن الإنسانية تطورت في ثلاث حالات: الحالة الأولى وتسمى حالة (التصوف) أو (الدين) والحالة الثانية (التجريد العقلي) التي تتمثل في الحضارة اليونانية القديمة وعلى الخصوص في فلسفة ارسطو العظيم، والحالة الثالثة تسمى بالحالة (الوضعية) التي تحتل حالة العالم في زماننا هذا أي عهد التجربة الذي يقوم على ملاحظة مظاهر الطبيعة ومظاهر النفس لتحديد (علاقاتها) وصوغها في قوانين خاصة، أو لا تؤدي حتما إلى قوانين عامة بها، ولكن للإنسان أن يستغلها عملياً ويتنبأ نما سيؤدي إلية نشاطها في المستقبل القريب والبعيد

والذي يهمنا من هذه الحالات الثلاث، هي الحالة الأولى لما بينها وبين المذهب الرمزي من التشابه. فأوجزت وكونت يعرفها قائلا: أنها تمثل مظاهر الوجود، كاحساسات نتخيلها. فهي بهذا الاعتبار في مقدور تصورنا، نتوقف على إدراكنا لها بالبصيرة): أي إن الأشياء على اختلافها لا قيمة لوجودها الذاتي، ولكن بالنسبة إلى حالة النفس وأهوائها في مناسباتها المختلفة. ويقول إنها حالة النفسية تسود عند الزنوج والقبائل المتوحشة لعجزهم عن فهم المظاهر الخارجية، ولقصر إفهامهم عن إدراك المعاني النفسية المجردة؛ لهذا يستعيضون عن ذلك برموز يقدسونها لمدلولاتها، وبحركات وطقوس يرددونها في مناسبات معينة، ظناً منهم أنها تفي بما يرتسم لها من عقيدة في أذهانهم، وبعناصر الطبيعة يفرضون عليها الحياة، ثم يؤلهونها باعتبارها قطب الاتصال الروحاني بنفوسهم الحائرة!

كذلك المذهب الرمزي يمثل نوعاً من الدخول إلى النفس والتغلغل فيها، ونوعاً من الحرية الجامحة في إمكان التصوير والتعبير لمظاهرها التي لا نستقر على قرار. لهذا كان (الرامز) لا يخرج إلى الناس في وضوح العقل وانسجام المنطق، فهو أضعف من أن يرتفع إلى هذا المستوى الإنساني وكان لا يتبادل الخير وفضل المعاملة الفكرية مع بنى الإنسان في المجتمعات البشرية؛ وكان لغموض احساساته الإنسانية وتضارب نزعاته لا يقبل على تفهم أمر الوجود العالمي ماديا كان أم تاريخيا وإنما كان يمثل حالة نفسية هي أقرب إلى المريض منها من إلى شيء آخر، يسودها محض الخيال والوهم والأنانية الفردية بعينها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>