للعمر مع عزم ونشاط لا يعرف الملل وهمة شاسعة الحدود).
ولد ابن سينا بقرية تسمى (أفشنة) بالقرب من (حرميثن) من أعمال بخارى وذلك سنة ٩٨٠م (٣٧٠هـ) وكان أبوه من بلخ ثم انتقل إلى مملكة بخارى في زمن نوح بن منصور من الدولة السامانية وكانت يومئذ غاصة بالعلماء فوجهه أبوه إلى من حفَّظَه القرآن وعلوم الأدب.
وظهرت بوادر نبوغ ابن سينا وعبقريته منذ الطفولة فما بلغ العاشرة من عمره حتى حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب ودرس النحو والأدب والفقه، ثم تعمق الفتى في دراسة شتى العلوم بحماسة وجد بالغين، فأتى على منطق أرسطو وفلسفته وأكب على تحصيل الهندسة والطبيعة والفلك فأتقن ذلك كله ولم يتجاوز السادسة عشرة. وكان من نعومة أظافره يحس من نفسه ميلاً خاصاً إلى دراسة الطب فأقبل على تعلمه بسرعة غريبة إذ أكمل معارفه فيه واشتهر أمره كطبيب بارع ونطاسي ماهر بعد أن جاوز عمره الثامنة عشرة بقليل. وصادف إذ ذاك أن مرض السلطان نوح بن منصور حاكم بخارى لذلك العهد ورأى أطباؤه أن يستشيروا ابن سينا في أمر معالجته، فأستدعى صاحب الترجمة فأشار بعلاج حاسم كان فيه شفاء السلطان فأحسن مكافأته وسمح له بالإطلاع على نفائس مكتبته الخاصة التي حوت كثيراً من الكتب العلمية النادرة فوعى ابن سينا زبدة ما فيها وعكف على الدرس والبحث سنوات ما كان يذوق فيها طعم النوم إلا غراراً، ومما قاله عن نفسه:(لازمت العلم وكنت كلما أحار في مسألة ترددت إلى الجامع وصليت وابتهلت إلى مبدع الكل حتى يفتح لي المنغلق منه ويتيسر المتعسر. وكنت أشتغل ليلاً في داري بالكتابة والقراءة فإن غلبني النوم أو شعرت بضعف عدلت إلى شرب قدح من الشراب ريثما تعود إليّ قوتي ثم أرجع إلى القراءة، فإن غلبني النوم حلمت بالمسائل التي كنت أعالج حلها حتى إن كثيراً منها اتضح لي بالمنام).
وأخذ ابن سينا في التأليف وهو في الحادية والعشرين من عمره فصنف موسوعة علمية ضمنها كثيراً من العلوم الطبيعية وكتب في الفلسفة وما وراء الطبيعة (الميتافيزيقيا) عدة رسائل.
وفي غضون تلك المدة صار ابن سينا مضرب الأمثال في البراعة الطبية وذاع صيته لما