على سيادة البحر الأبيض المتوسط؛ وما تدعيه إيطاليا وألمانيا كل لنفسها من حقوق استعمارية، وما يحفزهما إلى المبالغة في التسلح والاستعداد للحرب: كل ذلك يرجع إلى شهوة التوسع والاستعمار، وإلى المنافسة الاقتصادية والاستعمارية بين أمم كإيطاليا وألمانيا واليابان ترى أنها حرمت دون حق من نصيبها المشروع في أسلاب الأمم الضعيفة وميادين الاستعمار الشاسعة وبين أمم مثل إنكلترا وفرنسا تتمتع كلتاهما بأملاك استعمارية ضخمة وموارد اقتصادية عظيمة، وتحرص كل الحرص على ما بيدها من هذا التراث الذي ترمقه الأمم الأخرى بعين الحفيظة والجشع، وإلى هذا العامل الاستعماري يرجع أيضاً ما تعانيه الأمم المغلوبة من الآلام والمتاعب المادية والمعنوية؛ فالاضطرابات الدموية التي تجيش بها فلسطين منذ أشهر، والحركات القومية التي تجيش بها تونس والجزائر ومراكش، وما تنزله الأمم الغالبة بهذه الأمم المغلوبة من ضروب القمع المنظم احتفاظاً بسلطانها وسيادتها، إنما هي أيضاً وليدة هذه الشهوة الاستعمارية التي لا تخبو، والتي لا تعرف حقاً ولا عدالة ولا أي اعتبار إنساني
ولقد كان غزو إيطاليا للحبشة إحدى هذه الفورات الاستعمارية البربرية، كما كان غزو اليابان من قبل لولاية منشوريا الصينية، وكما هو اليوم شأنها في الحرب التي تشهرها على الصين دون رأفة ولا هوادة؛ ولم يكن موقف الأمم الأخرى بالأمس إزاء الاعتداء على الحبشة، أو موقفها اليوم إزاء الاعتداء على الصين إلا وجهاً آخر من وجوه المأساة، فهذه الأمم لا تحاول أن تعترض سبيل الأمم المعتدية لأنها تؤمن دونها بالحق وترغب في الذود عنه، ولكن لأنها تخشى أن تظفر الأمم المعتدية دونها بمغانم وأسلاب استعمارية جديدة تزيد في ثروتها وقوتها وخطرها
هذا عن العامل الاستعماري؛ وأما العامل العنصري فيرجع إليه أيضاً قسط كبير في إثارة الخصومات والقلاقل الدولية. ولقد كانت الخصومة السلافية الجرمانية من أهم العوامل التي عاونت إضرام نار الحرب الكبرى؛ أما اليوم فهنالك الدعوة الآرية أو دعوة الأجناس الرفيعة والأجناس المنحطة التي تشهرها ألمانيا الهتلرية في وجه العالم؛ وهنالك الخصومة الآرية اليهودية التي تذكي ضرامها بكل ما وسعت؛ ثم هنالك مشكلة الأقليات القومية التي تتخذ في أوربا الوسطى صوراً حادة تبث الحقد والحقيقة بين الأمم والعناصر المتجاورة،