إذا به يرى عجوزاً تابّةً تدب على عكاز غليظ، مقبلة نحوه، مادة ذراعها المعروقة مستغيثة لهفى:(بُني! بُني! انتظر أرجوك! انتظر يا ولدي!!) من هذه؟ لا يدري جاسون. بيد أنه انتظر حتى أقبلت العجوز وسألها عن شأنها، فتوسلت إليه أن يحملها على ظهره ليعبر بها مجرى السيل! ووجم جاسون قليلاً، ولكنه ذكر وصاة شيرون أستاذه، فتبسم، وانحنى للمرأة فاحتملها على كاهله القوي العتيد، ثم رجاها أن تدفع إليه بعكازها يتوكأ عليه ففعلت، وتقدم بخطى وئيدة، ولكنها أكيدة، إلى مجرى السيل لا يفكر في نؤيه وجلاميده، ولا جيشانه واصطخابه، بل يفكر في أنه يجب أن يؤدي يداً لهذه العجوز التي استغاثت به. . . وعبر مجرى السيل، وبلغ عُدْوته الأخرى بعد عناء وجهد، ووضع على الرمال اللينة المتطامنة حمله. . . ولكن. . . يا عجبا!! أين هي المرأة العجوز الحيزبون؟ أين الكومة من الجلد المتهافت، والعظام النخرة، التي كانت ترهق كاهله؟ لقد ذهبت، ووقف مكانها شباب رائع، وجمال فتان، وغادة حُسّان مفتان!!
- يا للآلهة! من أنت بحق السماء يا ربة؟
- أنا؟. . . ألا ترى إلى هذا الطاووس المزهو بذيله وألوانه أيها العبد الصالح؟
- أوه؟! أو أنت جونو؟
وسجد جاسون بين يدي الربة، سيدة الأولمب، ثم أذنت له أن ينهض، وأخذت برأسه فباركته، وسألها أن تهبه رعايتها في حله وترحاله فوعدت، ثم رفت في أثير السماء التي تفتحت لها أبواباً، وغابت عن بصر جاسون!
ووقف الفتى لحظة مسبوهاً مشدوهاً ثم انطلق في طريقه. . . وراعه بعد مرحلة طويلة أن يرى إلى قدميه فلا يجد إلا نعلاً واحداً في إحداهما. . . أما الأخرى، فقد ذكر أن السيل انتزعها من قدمه واحتملها، وهو لا يستطيع استعادتها، لأن حمله كان يرهقه!
ثم بلغ يولكوس
ورأى جمعاً حاشداً حول ملكها بلياس، الذي وقف ينحر الذبائح، ويقرب القرابين للآلهة، ويفرق حواياها في الفقراء! فدافع الناس، وشق طريقه إلى الهيكل حيث وقف الملك، ثم سار إلى عمه قُدُماً، حتى كان قبالة المذبح. . . وما كادت عين صاحب العرش - أو غاصبه - تقع على الفتى الذي يلبس نعلاً واحدة حتى شحب لونه، وغاضت الدماء الوردية