الأكثرية النيابية إنما تعبر عن قوة العاطفة المصدِّقة التي تغلب على الشعب وتكون الجزء الأعظم من نفسيته. ولهذا يصح أن يقال إن الحكم الديمقراطي الصادر عن ملكة سياسية والمرتكز على قوة شعبية لا تغلب عليها العاطفة لم يتحقق للآن، وإن وجد أسلوبه ورسمت مبادئه النظرية.
(٢) ينص الدستور أيضاً على الحرية الشخصية، على حرية الاعتقاد، وعلى حرية إبداء الرأي والنقد.
(المواد ٤، ١٢، ١٤). حرية الفكر والاعتقاد، حرية إبداء الرأي والنقد يتمتع بها إذن، قانونياً، كل فرد يعيش في مصر. والمصري طبعاً يفكر ويبدي رأيه وينتقد ككل إنسان لأن هذه معان عامة، ولكن طريقته في التفكير وفي إبداء الرأي وفي النقد ربما تنم عن فهم آخر لمعنى الحرية فيها: تنم إما عن سوء في الفهم أو قصر في إدراك ما هي الحرية في شيء من الأشياء، وربما لم يفهم بعد أن الحرية معنى محدود غير مطلق، حرية في شيء مقيدة بجواز استعمال شيء آخر ربما يكون مضاداً للأول ونقيضاً له.
حرية التفكير ما زالت تستخدم في مهاجمة الدين وجرح العاطفة الدينية للشعب، بل أظهر صورها التهكم بمعتقدات الأمة والسخرية بعاداتها، حرية إبداء الرأي تستعمل في الخروج عن المألوف للأمة والاستخفاف بما هو مقدس عندها، حرية النقد سبيله العملي جرح الكرامة الشخصية أو الجدال للجدل في غير طائل.
حرية التفكير، حرية إبداء الرأي وحرية النقد حق سام من حقوق الشعوب المتمدينة، ولكنه لا يصح أن يتخذ أداة للهدم، فوظيفته يجب أن تكون إيجابية لا سلبية. جعلته بعض الدول الراقية حقاً شرعياً لأفرادها بعد ما شعر الشعب من نفسه بقدرته على كظم شهوته العقلية وحاجته إلى تقرير ذلك ضد حاكم مستبد أو ابتغاء المساواة بالفئة الأرستقراطية التي كفلت لنفسها هذا الحق منذ زمن بعيد.
فتقرير حرية الفكر وإبداء الرأي والنقد لكل فرد من أفراد الشعب حق إنساني فطري جميل، وأجمل منه استعداد الشعب وإعداده لاستخدام ذلك في طريقه الطبيعي وتشريعه له من نفسه، لا إعطاؤه له منحة أو فرضه عليه فرضاً، فالطفل إذا ما أفسح له الطريق ربما