للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من وراء ذلك أن الله يسخر قوات الطبيعة والأشياء لهم، ولكن هذا النوع من هذه الكرامات لم يرق معشر العلماء فاختلفوا في أحكامها. والناس في إنكارها أقسام، منهم من ينكرها مطلقاً، ومنهم من يقول أن هذه الكرامات تشبه السحر من أهل السيميا، وينصح للإنسان بعدم صدهم وعدم تصديقه لهم. وقد أفتوا بتكفيرهم كما أفتوا بتكفير الغزالي وحرق كتابه الأحياء. ولكن البعض من أئمة هذا المذهب لم يجعلوا هذه الكرامات قواعد راسخة للصوفية لا يكون صادقا إلا من يؤتاها ويأتي بها.

وقد قال أبو يزيد البسطامي - واضع الله وراء جبته: (لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود، ومن ترك التقشف ولزوم الجماعة وحضور الجنائز وعيادة المرضى وتلاوة القرآن وادعى بهذا الشان فهو مبتدع، وفي هذا دلالة واضحة على أن من يدخل في هذا المذهب ويعتنق مبادئه ثم يطرح عنه قواعد الشريعة المشيد عليها هو مبتدع مختلق، يحترف الصوفية فرارا من كلفات الدين ومشقات العيش

وخلاصة الأمر أن التصوف تقلب كثيرا وتحرر كثيرا وطرأ عليه ما يطرأ على سائر المذاهب عادة، ولكن التصوف الحقيقي ظل محترما في عيون الناس وقلوب الناس. وليس بوسعنا إخراج الحكم عليها من باب أحكام العلماء لاختلاف فتاواهم فيها وإنما علينا أن نستعرض مبادئها وقواعدها ونرى ما يلائم منهاجه منها سنة الحياة وما يباين، وهنالك القول الفصل

خليل هنداوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>