الأدب يضارع غرضه القديم من التعبير عن الجمال والإفصاح عن الشعور الفردي
فالتفكير في شأن الإنسان ماضيه وحاضره ومستقبله من مميزات الإنسان المتحضر المثقف، وهو لا يكف عن هذا التفكير طوال حياته؛ ولا تزال أشباح الماضي والمستقبل والحياة والموت ماثلة أمامه، يكون لنفسه في شأنها فلسفة تختلف عمقاً واتساعاً وإقناعاً، وتختلف في مدى قربها من اليقين والجزم، أو قيامها على الشك والرفض. على إن هذا التفكير الإنساني يفرض نفسه فرضاً شديداً على كل أديب أو كل مثقف أو كل إنسان، في فترة خاصة من فترات حياته، بل أزمة من أزمات وجدانه، يشتد فيها تفكيره في نفسه وبني جنسه، ويحفزه إلى التساؤل والثورة على الحياة الإنسانية حادث نفساني يؤثر فيه أثراً عمقاً: من خيبة أمل أو إخفاق حب أو موت عزيز، فتتسم آثار الأديب في تلك الفترة بالتمرد والتشاؤم والكابة؛ وقد يحاول إصلاح العالم دفعة واحدة ويدعو الناس إلى حياة جديدة تصورها له أحلامه، ثم ما يلبث إن تخلف الحقائق المتحجرة ظنونه وتثبط هياجه وتروض جماحه، فيعدل حياته بما يلائم ظروف الحياة الإنسانية البطيئة التغير الوئيدة الخطى، فتعود آثاره الأدبية مشرقة بالبشر متغنية بمباهج الحياة بدل الإمعان في التفتيش عن معايبها
ولسريان الحياة في دماء الشعب الإنجليزي وغلبة التفاؤل على أمزجة أبنائه، كان أدباؤه إذا راعتهم نقائص الحياة الإنسانية وشرورها، وأحزنهم ضعف الإنسان وشقاؤه، لم يلبثوا إن يتحولوا عن ذلك الجانب الأسود من الصورة إلى جانبها الأبيض، ويطلبوا العزاء بما في الحياة من جمال عما فيها من قبح، فيشيدون بمقدرة الإنسان على الجلاد وبراعته في الابتكار، وبطولته وماضيه الحافل بالعظائم، ويترنمون بمفاتن الطبيعة وما يصيب الإنسان عندها من رخاء بال وراحة نفس، ويطلبون السلوى قبل كل شيء بممارسة فنهم الذي يصور تلك الحياة ويحكيها حكاية تروي من نفوسهم مالا ترويه الحقيقة الواقعة، يصور آلامها تصويراً يخفف تلك الآلام عن نفوسهم، ويحكي مفاتنها ونعمها التي فاتتهم حكاية تشفى صدورهم. فتمثيل الأديب للحياة في فنه يشعره كأنما قد أحاط بتلك الحياة وتمكن من أعنتها، ويكسبه ثقة بنفسه وإيمانا بقدرته على الابتداع والإتيان بجديد من عنده.
فتنيسون حين فقد صديقه الحميم سالف الذكر توفر على إنشاء قصيدة طويلة في ذكراه،