للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والرجلان يتشابهان نشأة وتربية وقوة وسطوع نجم. نشأ في المتربة والمسغبة، موسوليني أبوه حداد، وهتلر أبوه مستخدم صغير في الجمارك النمساوية. وعاش الاثنان عيشة الكفاف ثم هجرا بلديهما، فذهب موسوليني إلى جنيف، حيث اشتغل عاملاً فبناء؛ وذهب هتلر إلى فينا، حيث اشتغل عاملاً فرساما. وقد تربى كل منهما في مدرسة واحدة، هي مدرسة البؤس والشقاء، تلك المدرسة التي كثيراً ما تبنت عظماء الرجال. فتعلما فيها صلابة العود، وقوة العزيمة، ومجالدة الفاقة، ومنازلة الأخطار، وتخرج كل منهما قوي الشكيمة شديد المراس. وأتما تربيتهما معاً في مدرسة أخرى، هي مدرسة الحرب الكبرى، إذ تقدم كل منهما إلى هذه الحرب، فخاض غمارها، واصطلى بنارها، وعانى أهوالها، وجرح في معاركها، وأبلى فيها بلاء حسنا، وخرج منها وقد استكمل النضوج، واستوفى الرجولة، وسار إلى ما هيأته له الأقدار

وأسس موسوليني أول فرقة للكفاح في ميلان سنة ١٩١٩ من مائة وأربعين رجلاً، وتزايدت فرق الكفاح، ونظمت تنظيماً عسكرياً دقيقاً، فأمكنه أن يحشد بعد ثلاث سنوات مائتي ألف من الرجال، استولوا على إيطاليا الوسطى وسبعين ألفاً زحفوا على روما، وقبضوا على ناصية الحكم بالقوة. وهو الآن في قصر فينسيا يصرف أقدار أمة كبيرة ويحكمها حكماً دكتاتورياً. وذهب هتلر بعد الحرب إلى مونيخ، وهناك انضم إلى حزب صغير غير معروف، فأخذ يقويه، وينفخ فيه من روحه حتى حشد فيه الآلاف من الرجال. وسجن عقب إخفاقه في ثورة أراد بها قلب الحكم في بافاريا، وكتب في السجن كتابه الذي أسماه: (جهادي ولما أطلق سراحه، جمع شتات حزبه وكان قد تفرق. وعاد إلى الجهاد؛ ثم أخذ يستولي على مشاعر الأمة الألمانية شيئاً فشيئاً، حتى ضمها تحت لوائه، وأصبح الآن هو المسيطر على سبعين مليوناً من البشر من أعظم الشعوب وأرقاها، يخضعون لإشارته، ويدينون له بالولاء

بقي أن نقول إن الفاشية والنازية تنازلان البلشفية بنفس سلاحها. فهما كالبلشفية تحكمان حكما دكتاتورياً، وهما كالبلشفية أيضاً تخضعان النظام السياسي للنظام الاقتصادي. والمعركة قائمة بينهما وبين البلشفية، فأي المعسكرين يكتب له الانتصار؟ هذا هو السر المخبوء في عالم القدر. على أن الحوادث السياسية الأخيرة وبنوع خاص تلك المحالفة التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>