في فجر يوم من أيام الصيف، انشق الأبيض المتوسط عند ساحل آرجوس، عن أسطول لجب ما عتم أن انتشرت سفائنه فوق الماء كأنها الدّبى، وخَشْخَشت خلال أواذيّه كأنها الأساود، ثم نفثت سمومها فوق الشاطئ جنوداً من شياطين فرعون، مستلئمين في الدروع، مقنعين في الحديد، يلاعبون السمهريات، ويرهفون الرقاق البيض!
وكانت آرجوس الخالدة نائمة حالمة، غارة في غفوة الفجر؛ وكان الأرجيف الأشياء غارّين كذلك، تداعب أجفانهم الوسنى أطياف الآلهة، وتمرح في قلوبهم ومضات من السعادة يكاد الأولمب يمضي بها. . . حين ينبلج الصباح اللماح عن فوهة بركان. . . ما تلبث حتى تكون وهدة من وهاد جهنم!. . .
- ٢ -
وأطل الحراس في شعاف الجبل، فبهتوا!! وزاغت أبصارهم!. . . وأوقدوا النيران!. . . واستيقظت آرجوس عجلى، تنظر إلى الموت المفاجئ يتربص بها، ويكاد ينقض عليها!. . . . . .
(المصريون! المصريون! المصريون!. . . .)
وذهبت الصيحة في أرجاء المدينة تهز قلوب الأبطال، وتداعب ألباب الصناديد، وتزلزل فرائص دانوس وبيلاسجوس! وهُرعت الجماهير إلى هيكل الآلهة تصلي وتبتهل؛ وجمع الملك مجلس شوراه ليروا في ذلك الحدَث المدلهم رأيهم، فأجمعوا على وجوب الدفاع عن المدينة، وعدم تسليم ضيفهم الشيخ وعذاراه اللاجئات مهما كلفهم الذود عنهم من جهد، ومهما طال حصار المصريين:
- (أفهذا رأيكم إذن؟)
- (أجل أيها الملك! ولا رأي لنا غيره! إن شرف آرجوس وكرامة الأرجيف معلقان بما نصنعه من أجل هؤلاء العذارى! لِنَفْنَ جميعاً دونهن، ولا يقولن أحد في هيلاس إننا منعناهن أولاً، ثم أسلمناهن أخيراً!)