وها هي ذي حياتها تنقلب فتكون لذاذة خالصة، وهوى مجرماً، وغراماً تخامره شهوة التشفي، وتختلط بغمراته حمى الانتقام! إذن هي تبغضه، وهي تغلو في بغضه لأن عيونها في طروادة حملت إليها ما كان من غرامه الشديد بخريسيز إحدى سبايا الحرب، ثم ولعه الفائق بأختها بريسيز التي خاصم فيها أخيل؛ ولم يبال أن يهجر الميرميدون حلبة إليوم من أجلها. ولم يكن يحسبه هاتين، بل عاد من حومة الحرب فاقتحم القصر العتيق الشاهق بعربته المطهمة، وإلى جانبه خليلة ثالثة من خليلاته الكثيرات، هي هذه النبية المباركة البائسة. . . كاسندرا، ابنة بريام، وحميمة أبوللو في الزمن القديم!
أبغضته كليتمنسترا إذن، وأبغضت كل ما يثير ذكرياته في فؤادها. . . ولو كان أبناؤها الذين حملت بهم من صلبه! وهي تقسو وتقسو، وتغلو في قسوتها، حتى لتأمر بابنها الواحد أورست، وكان حدثاً لا يعرف من الدنيا إلا أن نصفها أبوه. . . ونصفها الآخر أمه. . . فيُنفى إلى أقصى الأرض، وليكون بمعزل عن هذه الحاشية الموبوءة التي قد تثير فيه نخوة الرجولة حين يشتد عوده وينضج قلبه، فلا يكون له هم إلا الأخذ بثأر أبيه، والفتك بقاتليه. . .
- ٢ -
أما اخته، أما الِكْترَا، فقد بقيت في القصر لتشهد الفصل الأخير من المأساة. . . أو لتشهد كل الفصول الدامية التي تتركب منها المأساة! لقد بقيت على كره منها لنعيش عيشة الرقيق، وتحيا حياة الخدم، ولترى إلى أمها تتقلب بين ذراعي عاشقها وملء حضنه، ولتنعم على خرائب أسرة الأترديه، ولتبني على أنقاضها القصور والعلالي!
بقيت إلكترا لتبكي دائماً. . . ولتبكي دماً! يا للعذارى!! لقد كانت في ملاعب شبابها تحلم بمُلكٍ وبتاجٍ وبشعب يسجد تحت قدميها، وهي اليوم تتشهى الموت فلا تجد إليه سبيل!! لقد كانت بالأمس تمرح بين قلبين يغمرانها بالحب، وأبوين يلقيانها بالبشاشة، وهي اليوم لا عزاء لها إلا وقفة باكية بقبر أبيها المقتول، ووقفة تتصدع لها جوانب نفسها عند مخدع أمها العاشقة. . . الفاسقة. . . وهل في إحدى الوقفتين عزاء؟!
بقيت الكترا ترقب رسول السماء الذي يأخذ بثار أبيها،، وبقيت لتكون رائد هذا الرسول يوم يجيء. ولم يكن لها من ولي ولا حبيب في هذا القصر الشاهق العتيق إلا هذه العجوز