للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه شيئاً؟ وفيم يؤمر وهو من طبيعة الآمرين؟. . ولو أن علياً بعث إليه يستعين برأيه ويستنير بفكره؛ إذن لقام إلى جانبه وأخلص له المودة، وأفاده الفائدة العظيمة، فانه (شيخ يضر وينفع) كما يقولون في بعض ما يدس عليه من الشعر؛ ولكن علياً منصرف عنه لا يكاد يذكره، وهذه شهور تنطوي على خلافته وهو مستقل بنفسه بصحابه، ما يلقي إلى أحد من الصحابة بالاً. . . بل ها هو ذا يؤدب العصاة منهم وينهض لهم بالسيف. . . وهذه الأخبار تترامى عن الهزيمة النكراء التي منيت بها عائشة، والقتلة القاسية التي صار إليها الصحابيان طلحة والزبير. . . وماذا بعد؟. . . أغلب الظن أن دوره مقبل ولا ريب، وأنه مخير بين الطاعة أو الحرب عن قريب فمادا تراه فاعلا؟. . . هنا كان الرجل يحس قلقاً شديداً. . . فيقلب فكره ويتأمل حاله، عله ينتهي إلى رأي يستقر أليه. . . ثم خطر بباله فسأل نفسه: ومعاوية؟. . . كيف ترى حال معاوية. . . أغلب الظن أن أبن أبي طالب لن يعفيه، وهو وال على الشام وما حواليه. . . وانه لمرسل إليه بالطاعة أو عازله. . . ثم بدا له خاطر جديد فابتسم. . . وهم من مجلسه ومضى يذرع الغرفة جيئة وذهاباً. . . انه يفكر في معاوية. . . ويحسب الأمر حساباً دقيقاً؛ أن لمعاوية جندا كثيفاً، ونفرا أقوياء. . . وانه لفي منعة بأهل الشام ومال الشام. . . ومن يعرف فضل جند الشام كعمرو الفاتح المجرب الخبير؟ أن فيهم لخيرا، وان عليهم لمعتمداً. . . وأنهم ليفضلون جند العراق وجند الجزيرة. . . وانهم ليثبتون في الحرب ثباتاً عظيماً. . . فلم لا يعتمد عليهم ويستفيد منهم؟ ولم لا تكون جبهة قوية من جند الشام وقدرة معاوية وحيلة عمرو. . . فما عسى أن يفعل جند العراق وشجاعة علي وتهور أنصاره أمام هؤلاء. . . فإذا فرغ من ذلك الحساب والتقدير فقد هم يريد ليذهب لمعاوية ليرى رأيه في ذلك الأمر، وانه لكذلك إذا طارق قد اقبل، وإذا به رسول من معاوية!. . . يحمل إلى عمرو كتاباً. . . ويبتسم ابن العاص، فقد فهم ما في الكتاب؛ وما يقصر مثله عن ذلك وقد قدر الأمر كله كما رأينا. . . ثم يتناول الكتاب، فإذا به يقول: (آما بعد فانه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، فقد قدم علىّ جرير بن عبد الله في بيعة علي، وحبست نفسي عليك حتى تأتيني، فأقدم على بركة الله تعالى).

الآن يستطيع ابن العاص أن يمضي عن ثقة، فقد عرف ابن أبي سفيان قدره واستنجد به، وفي استطاعته الآن (أن يشترط)، وأن يطلب ما يريد من أجر وجزاء. . . وهل هو يرجو

<<  <  ج:
ص:  >  >>