للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ الرَّاوِيَةَ لَتَبْلُغُ فِي الْمَوْسِمِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وأَكْثَرَ وأَقَلَّ الماء، فَبَلَغَ ذَلِكَ أُمَّ جَعْفَرٍ بِنْتَ أَبِي الْفَضْلِ جَعْفَرٍ بن أمير المؤمنين الْمَنْصُورِ، فَأَمَرَتْ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وتِسْعِينَ ومِائَةٍ بِعَمَلِ بِرْكَتِهَا الَّتِي بِمَكَّةَ فَأَجْرَتْ لَهَا عَيْنًا مِنَ الْحَرَمِ فَجَرَتْ بِمَاءٍ قَلِيلٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِيٌّ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وقَدْ غَرِمَتْ فِي ذَلِكَ غُرْمًا عَظِيمًا فَبَلَغَهَا فَأَمَرَتْ جَمَاعَةً (١) مِنَ الْمُهَنْدِسِينَ أَنْ يُجْرُوا لَهَا عُيُونًا مِنَ الْحِلِّ، وكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: إِنَّ مَاءَ الْحِلِّ لَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ، لِأَنَّهُ يَمُرُّ عَلَى عِقَابٍ وجِبَالٍ، فَأَرْسَلَتْ بِأَمْوَالٍ عِظَامٍ ثُمَّ أَمَرَتْ مَنْ يَزِنُ عَيْنَهَا الْأُولَى فَوَجَدُوا فِيهَا فَسَادًا فَأَنْشَأَتْ عَيْنًا أُخْرَى إِلَى جَانِبِهَا وأَبْطَلَتْ تِلْكَ الْعُيُونَ فَعَمِلَتْ عَيْنَهَا هَذِهِ بِأَحْكَمِ مَا يَكُونُ مِنَ الْعَمَلِ وعَظُمَتْ فِي ذَلِكَ رَغْبَتُهَا وحَسُنَتْ نِيَّتُهَا فَلَمْ تَزَلْ تَعْمَلُ فِيهَا حَتَّى بَلَغَتْ ثَنِيَّةَ خَلٍّ (٢) فَإِذَا الْمَاءُ لَا يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْجَبَلِ فَأَمَرَتْ بِالْجَبَلِ فَضُرِبَ فِيهِ، وأَنْفَقَتْ فِي ذَلِكَ مِنَ الامول ما لم يكن تَطِيبُ بِهِ نَفْسُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى أَجْرَاهَا اللَّهُ ﷿ لَهَا، وأَجْرَتْ فِيهَا عُيُونًا مِنَ الْحِلِّ مِنْهَا عَيْنٌ مِنَ (الْمُشَاشِ) (٣) واتَّخَذَتْ لَهَا بِرَكًا تَكُونُ السُّيُولُ إِذَا جَاءَتْ تَجْتَمِعُ فِيهَا، ثُمَّ أَجْرَتْ لَهَا عُيُونًا (٤) مِنْ حُنَيْنٍ واشْتَرَتْ حَائِطَ حُنَيْنٍ فَصَرَفَتْ عَيْنَهُ إِلَى الْبِرْكَةِ وجَعَلَتْ حَائِطَهُ سَدًّا يَجْتَمِعُ فِيهِ السَّيْلُ، فَصَارَتْ لَهَا مَكْرُمَةٌ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ قَبْلَهَا وطَابَتْ نَفْسُهَا بِالنَّفَقَةِ فِيهَا بِمَا لَمْ تَكُنْ تَطِيبُ نَفْسُ


(١) كذا فِي ا، ج. وفِي بقية الاصول (جماعة) ساقطة.
(٢) ثنية خل: ويقال لها (خل الصفاح) منتهى الحرم من طريق العراق، وطريق السيل للطائف.
(٣) المشاش: بضم اوله، قال ياقوت ويتصل بجبال عرفات جبال الطائف وفيها مياه كثيرة أوشال وعظائم فني فيها (المشاش) وهو الذي يجري بعرفات ويتصل الى مكة.
(٤) وهذه العيون هي (المشاش) كما تقدم و (عين ميمونة) و (عين الزعفران) و (عين البرود) و (عين الصرفة أو الطارقي) و (عين ثقبة) و (عين الخريبات).

<<  <  ج: ص:  >  >>