للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ أَنْصَفْتَ، فَخَرَجَ أَرْيَاطُ وَكَانَ رَجُلًا عَظِيمًا، طَوِيلًا، وَسِيمًا، وفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ لَهُ. وخَرَجَ لَهُ أَبْرَهَةُ وكَانَ رَجُلًا قَصِيرًا حَادِرًا، لَحِيمًا، دَحْدَاحًا، وكَانَ ذَا دِينٍ فِي النَّصْرَانِيَّةِ؛ وخَلَّفَ أَبْرَهَةُ عَبْدًا لَهُ يَحْمِي ظَهْرَهُ يُقَالُ لَهُ عَتُودَةُ؛ فَلَمَّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ رَفَعَ أَرْيَاطُ الْحَرْبَةَ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ أَبْرَهَةَ يُرِيدُ يَافُوخَهُ فَوَقَعَتِ الْحَرْبَةُ عَلَى جَبْهَةِ أَبْرَهَةَ فَشَرَمَتْ حَاجِبَهُ وَعَيْنَهُ وَأَنْفَهُ وَشَفَتَيْهِ (١) فَبِذَلِكَ سُمِّيَ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمَ، وَحَمَلَ غُلَامُ أَبْرَهَةَ عَتُودَةُ على ارياط هن خَلْفِ أَبْرَهَةَ فَزَرَقَهُ بِالْحَرْبَةِ فَقَتَلَهُ، فَانْصَرَفَ جُنْدُ أَرْيَاطَ إِلَى أَبْرَهَةَ فَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْحَبَشَةُ بِالْيَمَنِ وكَانَ مَا صَنَعَ أَبْرَهَةُ مِنْ قَتْلِهِ أَرْيَاطَ بِغَيْرِ عِلْمِ النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ بِأَرْضِ أُكْسُومٍ مِنْ بِلَادِ الْحَبَشِ فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وقَالَ: عَدَا عَلَى أَمِيرِي بِغَيْرِ أَمْرِي فَقَتَلَهُ؛ ثُمَّ حَلَفَ النَّجَاشِيُّ لَا يَدَعُ أَبْرَهَةَ حَتَّى يَطَأَ أَرْضَهُ (٢) ويَجُزَّ نَاصِيَتَهُ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أَبْرَهَةَ حَلَقَ رَأْسَهُ ثُمَّ مَلَأَ جِرَابًا مِنْ تُرَابِ أَرْضِ الْيَمَنِ ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ وكَتَبَ إِلَيْهِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّمَا كَانَ أَرْيَاطُ عَبْدَكَ وأَنَا عَبْدُكَ اخْتَلَفْنَا فِي أَمْرِكَ، وكُلُّنَا طَاعَتُهُ لَكَ إِلَّا إِنِّي كُنْتُ أَقْوَى عَلَى أَمْرِ الْحَبَشَةِ مِنْهُ، وأَضْبَطُ وأَسْوَسُ لَهُمْ مِنْهُ، وقَدْ حَلَقْتُ رَأْسِي كُلَّهُ حِينَ بَلَغَنِي قَسَمُ الْمَلِكِ وبَعَثْتُ بِهِ إِلَيْهِ مَعَ جِرَابٍ مِنْ تُرَابِ أَرْضِي لِيَضَعَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَيَبِرَّ بِذَلِكَ قَسَمَهُ. فَلَمَّا انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى النَّجَاشِيِّ رَضِيَ عَنْهُ وكَتَبَ لَهُ أَنِ اثْبُتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي فَأَقَامَ أَبْرَهَةُ بِالْيَمَنِ؛ وَبَنَى أَبْرَهَةُ عِنْدَ ذَلِكَ (الْقُلَّيْسِ) بِصَنْعَاءَ إِلَى جَنْبِ غُمْدَانَ كَنِيسَةً وأَحْكَمَهَا وسَمَّاهَا الْقُلَّيْسَ وكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ: إِنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكٍ كَانَ قَبْلَكَ ولَسْتُ بِمُنْتَهٍ حَتَّى أَصْرِفَ حَاجَّ الْعَرَبِ إِلَيْهَا.

• قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ:

حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ مَشْيَخَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ بِصَنْعَاءَ: أَنَّ يُوسُفَ ذَا نُوَاسٍ - وَهُوَ صَاحِبُ الْأُخْدُودِ الَّذِي حَرَقَ أَهْلَ الْكِتَابِ بِنَجْرَانَ - لَمَّا غَرَقَهُ اللَّهُ ﷿


(١) كذا فِي جميع الأصول. وفِي ب والروض «شفته».
(٢) كذا فِي جميع الأصول. وفِي الروض «بلاده».

<<  <  ج: ص:  >  >>