عن نفسه بقوله:"لولا أن معي الهدي لأحللت"، وقوله:"إني سقت الهدي وقرنت، فلا أحل حتى أنحر". وهذا خبره عن نفسه، فلا يدخله الوهم، بخلاف خبر غيره، لا سيما خَبَرٌ يخالف ما أخبر به عن نفسه، وأخبر عنه به الجَمُّ الغَفِير أنه لم يأخذ من شعره شيئًا، لا بتقصير، ولا حلق، وأنه بقى على إحرامه حتى حلق يوم النحر. ولعل معاوية قصر عن رأسه في عمرة الجعرانة؛ فإنه كان حينئذ قد أسلم، ثم نسي، فظن أن ذلك كان في العشر، والوهم جائز على مَنْ سوى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فإذا قام الدليل عليه؛ صار واجبًا".
ولذلك ذهب غير واحد من العلماء إلى أن ذلك كان في بعض عمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، منهم الخطابي في "المعالم"، والنووي في "شرح مسلم"، والحافظ في "الفتح"؛ ولذلك تأول المنذري رواية المصنف: لحجته؛ بقوله:
"يعني: لعمرته. وقد أخرجه النسائي وفيه: في عمرة على المروة، وتُسَمَّى العمرة حجًّا؛ لأن معناها القصد".
ومن الغرائب: أن العلامة الأمير الصنعاني أورد حديث معاوية هذا بلفظ البخاري في "الروض الباسم" (ص ١١٦)، وبدل أن ينبَّه على ما فيه من الاضطراب الذي شرحته؛ أخذ يقويه بقوله:
"وله شواهد عن علي وعثمان ... و ... و ... ". يعني: في تمتعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ!
فكأنه يشير إلى أن حديث معاوية يثبت أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كان قارنًا، كما في تلك الشواهد!
والواقع: أن حديث معاوية فيه أنه تحلل على المروة؛ فهو يعني: أنه كان متمتعًا تمتعًا حَلَّ فيه! وإليه ذهب القاضي أبو يعلى وغيره؛ وهو خطأ ظاهر، كما سبق بيانه.