الوصفُ الثاني: الرسالة؛ فهو عبدُ الله ورسولُه، فلا بدَّ من الشهادة بأنه رسولُ اللهِ إلى جميع الناس، بل إلى الثقلين: الجنِّ والإنسِ، أرسلَهُ اللهُ بالهُدى ودينِ الحقِّ، وأنه خاتمُ النبيين، فلا بدَّ أن تتضمَّنَ الشهادةُ هذين الأمرين؛ وهما: الإقرارُ بأنَّ محمدًا ﷺ عبدُ الله ورسوله، وهذا هو الصراطُ المستقيمُ في شأن الرسولِ ﷺ، فإنَّ الناسَ منهم مَنْ كذَّبَه وجَحَدَ رسالتَه -وهم أكثرُ الخلق- ومنهم مَنْ غلا فيه ورفعَه عن منزلة العبودية إلى منزلة الإلهية؛ فجعل له بعضَ خصائصِها؛ كعلم الغيبِ المطلقِ، أو توجَّه إليه بأنواع من العبادة كالدعاء والرجاء والاستغاثة.
فلا بدَّ في هذه الشهادة من الجمع في شأن الرسولِ بين الإقرار له بالعبودية، والإقرارِ له بالرسالة بأنَّه ﷺ عبدٌ لا يُعْبَد، ورسولٌ لا يُكَذَّب، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٢٨)﴾ [الفتح]، فمَن غلا فيه: انحرفَ عن الصراط المستقيم، ومَن كذَّبه: زاغَ عن الصراط المستقيمِ.
(ومعنى شهادة أنَّ محمدًا رسول الله): أي حقيقة الإقرار والتصديق واليقين بأنه رسول من عند الله إلى جميع الناس، ومقتضى هذه الشهادة (١): طاعته فيما أمر، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [التغابن: ١٢] في مواضع كثيرة، ويقول تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢)﴾ [آل عمران]، وقال تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
(١) ذكر هذه المقتضيات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، وزاد: «وأن لا يُعبد الله إلا بما شرع». ينظر: الأصول الثلاثة بشرح شيخنا (ص ٣٢).