الواهي! فإن هذه المشابهة إن كانت كافية لإقناع من كان من النقاد الحذاق فليس
ذلك بالذي يكفي لاقناع الآخرين الذين قنعوا بصدق الراوي وحفظه وضبطه، ثم لم
يشعروا بذلك الشبه، أو شعروا به، ولكن لم يروا من الصواب في شيء جعله علة
قادحة يستنكر الحديث من أجلها، ويسلم للقادح بها مع مخالفته لقاعدة أخرى هي
أهم وأقوى من القاعدة التي بنى ابن رجب عليها رد هذا الحديث وهي أن زيادة
الثقة مقبولة. ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وما المانع أن يكون الحديث قد
رواه عن أبي سعيد المقبري كل من ولديه: سعيد الثقة، وعبد الله الضعيف، وأن
عاصما أخذ الحديث عنهما كليهما، فكان يرويه تارة عن سعيد فحفظه عنه أبو بكر
الحنفي، وتارة عن عبد الله فحفظه معاذ بن معاذ؟ ! لا يوجد قطعا ما يمنع من
القول بهذا، بل هو أمر لابد منه، للمحافظة على القاعدة التي ذكرناها، لقوتها
واضطرادها، بخلاف القاعدة الأخرى فإنها غير مضطردة ولا هي منضبطة كما لا
يخفى عمن له فهم وعلم في هذا الفن الشريف، فإن كون الحديث الثقة مشابها لحديث
الضعيف، لا يوجد في العلم الصحيح ما يدل على أن حديث حديث الضعيف، وأن الثقة
وهم فيه، إذ قد يروي الضعيف ما يشبه أحاديث الثقات على قاعدة
" صدقك وهو كذوب "، فكيف يجوز مع ذلك أن نرد حديث الثقة لمجرد مشابهته لحديث
الضعيف؟ ! بل العكس هو الصواب: أن نقبل من حديث الضعيف ما يشبه حديث الثقة
ويوافقه. بل إن الراوي المجهول حفظه وضبطه لا يعرف ذلك منه إلا بعرضه على
أحاديث الثقات، فما وافقها من حديثه قبل، وما عارضه وخالفه ترك. وهذا علم
معروف في " مصطلح الحديث ".
ومما يؤيد صحة هذا الحديث، وأن أبا بكر الحنفي قد حفظه، وليس هو من حديث
عبد الله بن سعيد وحده، أن الإمام مالك قال في " الموطأ " (٢ / ٩٤٠ / ٥) :
" عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا
مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين، فقال: انظروا ماذا يقول لعواده، فإن
هو إذا جاؤوه حمد