إهمالا منهم إياها، ألست تراهم يتفرقون في طعامهم على موائدهم، وكل واحد
منهم يأكل لوحده - دون ضرورة - في صحن خاص، لا يشاركه فيه على الأقل جاره
بالجنب، خلافا للحديث السابق (٦٦٤) . وكذلك إذا سقطت اللقمة من أحدهم،
فإنه يترفع عن أن يتناولها ويميط الأذى عنها ويأكلها، وقد يوجد فيهم من
المتعالمين والمتفلسفين من لا يجيز ذلك بزعم أنها تلوثت بالجراثيم
والميكروبات! ضربا منه في صدر الحديث إذ يقول صلى الله عليه وسلم: " فليمط ما
رابه منها وليطعمها ولا يدعها للشيطان ". ثم أنهم لا يلعقون أصابعهم بل إن
الكثيرين منهم يعتبرون ذلك قلة ذوق وإخلال بآداب الطعام، ولذلك اتخذوا في
موائدهم مناديل من الورق الخفيف النشاف المعروف بـ (كلينكس) ، فلا يكاد أحدهم
يجد شيئا من الزهومة في أصابعه، بل وعلى شفتيه إلا بادر إلى مسح ذلك بالمنديل
، خلافا لنص الحديث. وأما لعق الصحفة، أي لعق ما عليها من الطعام بالأصابع،
فإنهم يستهجنونه غاية الاستهجان، وينسبون فاعله إلى البخل أو الشراهة في
الطعام، ولا عجب في ذلك من الذين لم يسمعوا بهذا الحديث فهم به جاهلون،
وإنما العجب من الذين يسايرونهم ويداهنونهم، وهم به عالمون.
ثم تجدهم جميعا قد أجمعوا على الشكوى من ارتفاع البركة من رواتبهم وأرزاقهم،
مهما كان موسعا فيها عليهم، ولا يدرون أن السبب في ذلك إنما هو إعراضهم عن
اتباع سنة نبيهم، وتقليدهم لأعداء دينهم، في أساليب حياتهم ومعاشهم.
فالسنة السنة أيها المسلمون! * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول
إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه
تحشرون) *.
١٤٠٥ - " رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفا أمامي
، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا بلال ".
أخرجه البخاري (٢ / ٤٢٥) والطيالسي في " مسنده " (١٧١٩) وأحمد