قلت: فمثله حسن الحديث، لكنه لا يصلح لمعارضة الرواية المرفوعة، لأن رواتها
كلهم ثقات لا مغمز فيهم، فإما أن يقال: إن أبا صخر وهم في وقفه والصواب
المرفوع، وإما أن يقال: إن أبا هريرة كان يرفعه تارة، ويوقفه أخرى، وكل
حفظ ما وصل إليه، والرفع لا يعارض الوقف، ولاسيما وهو في حكم المرفوع.
لكن وجدت له علة أخرى غريبة، فقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح علل
الترمذي آخر السنن (٢٠٦ / ١) .
" قاعدة مهمة: حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم
للرجال وأحاديث كل واحد منهم، لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث
فلان، ولا يشبه حديث فلان، فيعللون الأحاديث بذلك، وهذا مما لا يعبر عنه
بعبارة مختصرة، وإنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها
عن سائر أهل العلم، كما سبق ذكره في غير موضع، فمن ذلك ... " ثم ذكر أمثلة
كثيرة، بعضها مسلم، وبعضها غير مسلم، ومن ذلك هذا الحديث مع وهمه في عزوه
فقال (٢٠٧ / ١ - ٢) :
" ومن ذلك أن مسلما خرج في " صحيحه " (!) عن القواريري عن أبي بكر الحنفي عن
عاصم بن محمد العمري: حدثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة (فذكر الحديث
ثم قال:) قال الحافظ أبو الفضل بن عمار الهروي الشهيد:
هذا حديث منكر، وإنما رواه عاصم بن محمد عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه
وعبد الله بن سعيد شديد الضعف، قال يحيى القطان: ما رأيت أحدا أضعف منه.
ورواه معاذ بن معاذ عن عاصم بن محمد عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة
وهو يشبه أحاديث عبد الله بن سعيد. انتهى ".
قلت: معاذ بن معاذ وهو العنبري، وأبو بكر الحنفي واسمه: عبد الكبير
ابن عبد المجيد كلاهما ثقة محتج به في " الصحيحين "، فلا أرى استنكار حديث هذا
برواية ذاك بدون حجة ظاهرة، سوى دعوى أن حديثه يشبه أحاديث عبد الله ابن سعيد