فالذي يسلكه كثير من أهل الحديث بل غالبهم جعل ذلك علة مانعة من الحكم بصحة الحديث مطلقا، فيرجعون إلى الترجيح لإحدى الروايتين على الأخرى، فمتى اعتضدت إحدى الطريقين بشيء من وجوه الترجيح حكموا لها وإلا توقفوا (١) عن الحديث وعللوه بذلك، ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص، وإنما ينهض بذلك الممارس الفطن الذي أكثر من الطرق والروايات ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة بل يختلف نظرهم بحسب ما يقوم عندهم في كل حديث بمفرده -والله أعلم.
قال الحافظ في "النكت على ابن الصلاح"(ج٢ص٧١٥ بتحقيق الشيخ الفاضل ربيع بن هادي حفظه الله) : قال العلائي: "وهذا كله إذا كان الإسناد واحداً من حيث المخرج غير مختلف في الحالات، أما إذا اختلف في الوصل والإرسال كأن يروي بعضهم عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - حديثا مرفوعاً فيرويه بعضهم عن الزهري، عن أبي سلمة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ - مرسلاً.
أو يرويه بعضهم عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - حديثاً مرفوعاً، فيرويه بعضهم، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد - رضي الله عنه - موقوفاً.
ففي مثل هذه الصيغة يَضعُفُ تعليل أحدهما بالآخر؛ لكون كل منهما
(١) الذي يظهر أنه إذا كانت الطرق متكافئة أنه يحمل على الوجهين، فإذا كان بعضهم يرسله عن المحدث وبعضهم يوصله فيحمل على أنه حدث به على الوجهين، ويؤخذ بالوصل لأنها زيادة لم يعارضها ما هو أرجح منها. وهذكا الرفع والوقف يؤخذ بالرفع لأنها زيادة لم يعارضها ما هو أرجح منها ولعله يأتي في المقدمة إن شاء الله شيء من ذلك.