لقد توقفت برهة مديدة من الزمن عن تصحيح هذا الحديث؛ من أجل يحيى ابن أبي أسيد هذا، من يوم بدأت بتقسيم كتاب "الترغيب " إلى قسميه: "صحيح " و"ضعيف "، وذلك قبل نحو أربعين عاماً تقريباً، ومن ذلك خلت الطبعات الثلاث منه، ولذلك أسباب كثيرة سأذكر ما يتيسر لي منها في مقدمة الطبعة الرابعة من "صحيح الترغيب " إن شاء الله سبحانه وتعالى.
ولكني سأذكر منها سبباً واحداً يتعلق بحديثنا هذا؛ فأقول:
لم تكن المراجع والمصادر التي تساعد على التحقيق في معرفة الرجال، وتمييز "الصحيح " و"الضعيف " يومئذ متوفرة، رغم أنني كنت أعيش في دار الكتب الظاهرية، وملازماً لها أكثر من موظفيها بعناية الله وفضله، وهي الدار العامرة بمختلف الكتب المطبوعة والمخطوطة، رغم ذلك كانت تنقصني كثير من المصادر، ولا يزال الأمر كذلك؛ ولو بنسبة أقل، وها هو المثال بين يدي: ترجمة (يحيى بن أبي أسيد) وحديثه هذا، فقد مررت بمراحل عدة حتى تيسرت أسباب الحكم عليه بالصحة، فلا بأس من سردها أمام القراء؛ للتاريخ والعبرة والفائدة؛ فأقول:
أولاً: لما جاء دور التعليق إبان ذلك الوقت المديد في "التعليق الرغيب "؛ كتبت عليه ما نصه- بعد سوق إسناده من "الحاكم "-:
"ومن هذا الوجه أخرجه النسائي في "الكنى"؛ كما في "التهذيب "، وقال الحاكم: "صحيح ". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات؛ غير ابن أبي أسيد هذا، فلم أر من ذكره، وقد أورده في "التهذيب " فيمن روى عن (عبيد بن أبي سوية) ".