العلماء من بعده وردوا عليه تضعيفه للحديث من أجلها، مثل المحقق ابن القيم في
" تهذيب السنن " (٥ / ٢٧٠ - ٢٧٢) والحافظ ابن حجر في " الفتح " وغيرهما،
وقد فصلت القول في ذلك في جزء عندي في الرد على رسالة ابن حزم المشار إليها،
يسر الله تبيضه ونشره.
وابن حزم رحمه الله مع علمه وفضله وعقله، فهو ليس طويل الباع في الاطلاع
على الأحاديث وطرقها ورواتها. ومن الأدلة على ذلك تضعيفه لهذا الحديث.
وقوله في الإمام الترمذي صاحب السنن: " مجهول " وذلك مما حمل العلامة محمد
بن عبد الهادي - تلميذ ابن تيمية - على أن يقول في ترجمته في " مختصر طبقات
علماء الحديث " (ص ٤٠١) :
" وهو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث وتضعيفه، وعلى أحوال الرواة ".
قلت: فينبغي أن لا يؤخذ كلامه على الأحاديث إلا بعد التثبيت من صحته وعدم
شذوذه، شأنه في ذلك شأنه في الفقه الذي يتفرد به، وعلم الكلام الذي يخالف
السلف فيه، فقد قال ابن عبد الهادي بعد أن وصفه " بقوة الذكاء وكثرة
الاطلاع ":
" ولكن تبين لي منه أنه جهمي جلد، لا يثبت معاني أسماء الله الحسنى إلا
القليل، كالخالق، والحق، وسائر الأسماء عنده لا يدل على معنى أصلا،
كالرحيم والعليم والقدير، ونحوها، بل العلم عنده هو القدرة، والقدرة هي
العلم، وهما عين الذات، ولا يدل العلم على شيء زائد على الذات المجردة أصلا
وهذا عين السفسطة والمكابرة. وقد كان ابن حزم قد اشتغل في المنطق والفلسفة
، وأمعن في ذلك، فتقرر في ذهنه لهذا السبب معاني باطلة ".