شيخه إِسحاق بن راهويه سمّاه "السحر". وأن البخاري أفاد أن بعض مشايخه لو بعثوا من قبورهم لما عرفوا طرقه تصنيفه للتاريخ. وأما "قضايا الصحابة والتابعين" فلم يصلنا بعد. وعبيد الله بن موسي العبسي توفي سنة (٢١٣) على الصحيح، وهو من شيوخ البخاري. أي أن البخاري عانى التصنيفى حقا وهو في سن السابعة عشرة من عمره، أو كما قال: طعن في الثامنة عشرة.
ويبدو مِن وصف هذا الكتاب أنه في "الفتاوى" التي أفتى بها الصحابة والتابعون مما لم يكن منصوصا عليه أي هو بتعبير آخر: "فقه الصحابة والتابعين". وهذه التفاتة ذكية من هذا الشاب اليقظ تحاول ارجاع الفقه إِلى أصوله الأولى وتقف حائلا دون التفريعات البعيدة عن أصولها. بمعنى أنه أراد أن يقول: ان هناك أمورا اجتهد فيها الصحابة والتابعون فلا حاجة للإِجتهاد فيها مرّة أخري، فهم أقرب منا إِلى النبي ﷺ واجتهادهم أولى أن يتَّبع من اجتهادنا.
وأنت ترى أن هذا أمر ليس بالهيّن -أعني التصنيف في هذا الجانب من جواب العلم- لأنه يقتضي احاطة تامة بما هو منصوص عليه وما هو غير منصوص عليه من مسائل الفقه، ومن لم يكن بهذا المستوي من الأحاطة فليبتعد عن هذا الحقل من التصنيف، لآن ذلك يؤدي إِلى تداخل ما هو منصوص عليه بغيره، وبذلك تضطرب الضوابط التي يقوم عليها هذا النوع من التصنيف. والبخاري قد أقحم نفسه في ذلك بثبات ورباطة جأش، وهو لم يتم الثامنة عشرة من عمرة.
[٩ - تحديد المقصد وعلو الغاية]
إذا تحدد المقصد واستقر، ووضحت الغاية واستنارت، فان طالبها يمضي إليها بخطى ثابتة مدروسة، لايلوي على شيء، ولا تشغله دنياه عنها.
ومن توفيق الله تعالى للبخاري أن هدفه في حياته وضحت معالمه وهو في