والآثار المروية في هذا الباب تقوي هذا الحديث.
قال ابن إسحاق: "سألت الزهري عن الآيات: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} قال: "ما زلت أسمع علماءنا يقولون: نزلت في النجاشي وأصحابه". سيرة ابن هشام (١/ ٣٩٢).
٢٣ - باب قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)}
قوله: {طَيِّبَاتِ} أي اللذيذات من الطعام التي تشتهيها النفوس، وكذلك الجميلات من النساء التي تميل إليها القلوب، فلا تمنعوها كما فعل القسيسون والرهبان، فحرموها على أنفسهم، فلم يؤدوا حقها كما قال اللَّه تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [سورة الحديد: ٢٧].
• عن عبد اللَّه بن مسعود قال: كنا نغزوا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلي أجل. ثم قرأ عبد اللَّه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)}.
متفق عليه: رواه البخاريّ في التفسير (٤٦١٥)، ومسلم في النكاح (١٤٠٤) كلاهما من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن عبد اللَّه قال: فذكره. واللفظ لمسلم ولفظ البخاريّ نحوه.
• عن ابن عباس قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} قال: هم رهطٌ من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قالوا: نقطَعُ مذاكيرَنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كما تفعل الرهبان، فبلغ ذلك النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأرسل إليهم، فذكر ذلك لهم فقالوا: نعم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لكنيّ أصوم وأفطر، وأصلِّي وأنام، وأنكح النساء، فمن أخذ بسنتي فهو مني، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مِني".
حسن: رواه ابن جرير الطبريّ في تفسيره (٨/ ٦١١) عن المثنى، ثنا عبد اللَّه بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس فذكره.
ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٥/ ١١٨٧)، عن أبيه، ثنا أبو صالح كاتب الليث (وهو عبد اللَّه ابن صالح) به.
وإسناده حسن من أجل عبد اللَّه بن صالح؛ فإنه مختلف فيه، غير أنه حسن الحديث إذا كان له أصل.
وأما ما روي عن عبد اللَّه بن مسعود: أن رجلًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء، وأخذتني شهوتي، فحرمت علي اللحم. فأنزل اللَّه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ