والدَّمُ من أعظم المفطِّرات فإنه حرام في نفسه لما فيه من طغيان الشهوة والخروج عن العدل، والصائم أمر بحسم مادّته فالدَّمُ يزيد الدَّمَ فهو من جنس المحظور فيفطر الحاجم لهذا، كما ينتقض وضوء النائم وإن لم يستيقن خروج الرّيح منه لأنه يخرج ولا يدري وكذلك الحاجم قد يدخل الدم في حلقه وهو لا يدري.
وأمّا الشارط فليس بحاجم، وهذا المعنى منتفي فلا يفطر الشارط وكذلك لو قدر حاجمٌ لا يمص القارورة بل يمتص غيرها، أو يأخذ الدَّم بطريق أخرى لم يفطر. والنَبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كلامه خرج على الحاجم المعروف المعتاد" انتهى كلامه.
١١ - باب ما جاء من الرّخصة في ذلك
• عن ابن عباس، قال: احتجم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم.
صحيح: رواه البخاري في الصوم (١٩٣٩) عن أبي معمر، حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره.
وكذلك رواه أيضًا أبو داود (٢٣٧٢)، والترمذي (٧٧٥) كلاهما من حديث عبد الوارث، عن أيوب، به، مثله.
قال أبو داود: "ورواه وهيب بن خالد، عن أيوب، بإسناده، مثله. وجعفر بن ربيعة وهشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله".
وحديث وهيب بن خالد هو ما رواه البخاري (١٩٣٨) عن معلى بن أسد، عنه إلا أنه قال فيه: "احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم".
وقد قيل: "واحتجم وهو صائم". فيه نكارة، والصحيح: "واحتجم وهو محرم".
والذي يظهر لي أنه فعل ذلك في أوقات مختلفة، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أحتجم وهو محرم مسافر؛ لأنّ المحرم لا يكون في بلده، وأخرى احتجم وهو صائم مقيم في بلده، والدليل على ذلك أن عبد الوارث لم يذكر في حديثه: "احتجم وهو محرم".
وأكد أبو داود أنّ رواية وهيب بن خالد، مثله. ومعنى هذا أنّ وهيبًا يروي الحديث في وقتين مختلفين مرة احتجامه - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم مسافر، وأخرى احتجامه - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم مقيم، فجمع الراوي عنه بين الحديثين في حديث واحد. وكلاهما صحيح، فإني لم أقف على من طعن في رواية عبد الوارث، ووهيب بن خالد كلاهما عن أيوب، وإنما ذكروا طرقًا أخرى وطعنوا فيها، ومن هذه الطرق:
ما رواه محمد بن عبد الله الأنصاريّ، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قال: "احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم".