يوجب ذلك علة فيه، لأنه من الثقات المأمونين، لم يكن بالشام رجل يشبهه، كذا قال ابنُ حنبل، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونا لم يكن هناك أفضل منه، وقال أبو سعيد بن يونس: كان فقيه أهل فلسطين في زمانه، والحديث إذا انفرد به مثل هذا كان صحيحا، ولا يضرّه تفرّده، فلا أدري من أين وهمَ في هذا الحديث راويه كما زعم البيهقي، قال ابن حزم: هذا خبر صحيح تقوم به الحجة، كل من رواته ثقاتٌ، وإذا انفرد به ضمرة كان ماذا؟ ودعوى أنه أخطأ فيه باطل، لأنه دعوى بلا برهان".
هذا الذي أختارُ في أصل صحّة الحديث، ولكن إذا وقفتُ على كلام الأئمة في إعلالِ الحديث من الأسباب المذكورة فكثيرًا ما أقبلُ كلامَهم إلا نادرًا لمكانتهم في هذا العلم، وإنْ لم أقبلْ كلامَهم فأبيّنُ وِجْهَةَ نظري.
[٤٩ - الحديث المنكر]
المنكر في كلام كثير من أهل العلم هو تفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ، أو من أطلق عليه بأنه ضعيف مع مخالفته للثقات، وهو نوع من أنواع الحديث الضعيف.
ولكن وُجِدَ في كلام بعض أهل العلم وأخص بالذكر الإمام أحمد وأبا حاتم وأبا زرعة الرازيين، والنسائي، أنهم يطلقون النكارة بمجرد تفرد الثقات، وهو ليس بجرح، فإن الحكم الثابت من الثقات ولو تفرد إذا لم يكن مخالفا لمن هو أوثق منهم، أو أكثر فإنه في حكم الصحيح، وقد نبّهتُ على كثير من المواضع في الجامع الكامل إلى هذين النوعين من النكارة.
[٥٠ - الفرق بين قولهم: فلان يروي المناكير، وفي حديثه نكارة]
في الصورة الأولى الغالب تكون النكارة من شيوخه، وليست منه، ومعنى هذا أنه لا يتوقّى في الرواية عن هؤلاء الشيوخ.
وفي الصورة الثانية تكون النكارة في الغالب منه.
[٥١ - التوفيق بين الحديثين المتعارضين]
وفّقتُ بين الحديثين الصحيحين المتعارضين في الظاهر، وإلا فالحديثان الصحيحان لا يتعارضان في الأصل، وكذا وفّقتُ بين القرآن والحديث إنْ كان في ظاهرهما التعارض.