فلمّا رجع إلى قريته قال: والله! لقد رأيتُ اليوم أمرًا ما كنتُ أظنّ أني أراه. إنَّ قومًا رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه". يقول ذلك للذين صاموا، ثمّ قال عند ذلك: "اللَّهُمَّ! اقبضني إليك".
رواه أبو داود (٢١٤٣)، والإمام أحمد (٢٧٢٣١)، وابن خزيمة (٢٠٤١)، والبيهقي (٤/ ٢٤١) كلّهم من طريق اللّيث، قال: حَدَّثَنِي يزيد بن أبي حيب، عن أبي الخير، عن منصور الكلبيّ، عن دحية بن خليفة، فذكره.
قال ابن خزيمة: إني لا أعرف منصور بن زيد الكلبي هذا بعدالة ولا جرح".
قلت: وهو كما قال، وقد سبقه ابن المديني فقال: "مجهول".
وقال الذّهبيّ: "ما روى عنه سوى مرثد اليزني (يعني أبا الخير) حديثه أفطر المسافر على ثلاثة أميال".
وقال الحافظ في "التقريب": "مستور". ولكن يشهد بعضه لبعض ويقويه عمل السلف.
قال أنس بن مالك: قال لي أبو موسى: ألم أنبأ أو ألم أخبر أنك تخرج صائمًا، وتدخل صائمًا؟ قال: قلت: بلى. قال: فإذا خرجت فاخرج مفطرًا، وإذا دخلت فادخل مفطرًا.
وعن عمرو بن شرحبيل أنه كان يسافر وهو صائم فيفطر من يومه. رواهما البيهقيّ (٤/ ٢٤٧).
استمسك بهذه الآثار الإمام أحمد وإسحاق وداود والمزني من الشافعية، فقالوا: إنه إذا نوى الصوم، ثمّ سافر أبيح له أن يفطر. لكن يقال: إنَّ المزنيّ، قد رجع عن قوله.
وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: من لا يفارق العمران إِلَّا بعد الفجر فليس له الفطر في ذلك اليوم؛ لأنه ممن شهد الشهر وهو مقيم فيجب عليه أن يصوم؛ لأنّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يخرج من المدينة في شهر رمضان مفطرًا، وإنما أفطر في الطريق.
وأمّا إن سافر المقيم بالليل، وفارق عمران البلد قبل الفجر فله أن يفطر بلا خلاف.
والتمسّك بالآثار أولى من القياس.
[١٧ - باب يجوز للمسافر الإفطار بعد أن شرع في الصوم بلا عذر]
• عن أبي سعيد، قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نهر من السماء، والناس صيام في يوم صائف مشاة، ونبي الله على بغلة له، فقال: "اشربوا أيّها الناس". قال: فأبوا. قال: "إنَّي لست مثلكم إني أيسركم، إني راكب" فأبوا. فثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذه فنزل فشرب، وشرب الناس، وما كان يريد أن يشرب.
صحيح: رواه الإمام أحمد (١١٤٢٣)، وأبو يعلى (١٢١٤) كلاهما من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث، حَدَّثَنِي أبيّ، حَدَّثَنَا الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، فذكره.
والجريري هو سعيد بن أبي إياس اختلط بآخره. وعبد الوارث والد عبد الصمد ممن روى عنه قبل الاختلاط.