وفي الباب ما رُوي أيضًا عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني نهيتكم عن زيارة القبور، وإنه قد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه. فزوروها تذكركم".
رواه ابن أبي شيبة (١١٩٣١) عن يزيد بن هارون، عن حماد بن زيد، حدثنا فرقد السبخي، حدثنا جابر بن يزيد، حدثنا مسروق، عن ابن مسعود، فذكره.
وفيه فرقد بن يعقوب السبخي مختلف فيه والغالب عليه الضعف.
وأما جابر بن يزيد الذي روى عن مسروق، وعنه فرقد السبخي فقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل عنه أبو زرعة فقال: ليس هو جابر الجعفي ولا يعرف. الجرح والتعديل (٢/ ٤٩٨).
ولكن رواه البيهقي في الدلائل (١/ ١٨٩ - ١٩٠) من وجه آخر من حديث عبد الله بن وهب قال: أخبرنا ابن جريج، عن أيوب بن هانئ، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد الله بن مسعود قال:"خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر في المقابر، وخرجنا معه فأمرنا، فجلسنا، ثم تخطّى القبور حتى انتهى إلى قبر منها، فناجاه طويلا، ثم ارتفع نحيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باكيًا، فبكينا لبكاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل إلينا، فتلقاه عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله! ما الذي أبكاك؟ لقد أبكانا وأفزعنا، فجاء فجلس إلينا، فقال: أفزعكم بكائي؟ فقلنا: نعم يا رسول الله! فقال: إن القبر الذي رأيتموني أناجي فيه - قبر آمنة بنت وهب، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي فيه، واستأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه، ونزل عليّ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}[التوبة: ١١٣] حتى ختم الآية: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}[التوبة: ١١٤] فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة، فذلك الذي أبكاني.
قال ابن كثير في البداية والنهاية (٢/ ٢٨٠): "غريب ولم يخرجوه".
وهذا الحكم الصادر من النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينافي قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء: ١٥].
فإن أهل الفترة يمتحنون في العرصات يوم القيامة. فيكون منهم من يجيب، ومنهم من لا يجيب. فيكون هؤلاء المسمون من جملة من لا يجيبون.
وقد ذكرت بعض الشيء في كتاب القدر، وأذكر الأشياء الأخرى في تفسير الآية الكريمة وفي أهوال يوم القيامة إن شاء الله تعالى.
[١٦ - حاضنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]
كانت أم أيمن مع آمنة في سفرها إلى المدينة، فلما ماتت آمنة في طريقها من المدينة إلى مكة حملته أم أيمن مولاتها، وحاضنته إلى جده عبد المطلب بمكة.
• عن أنس بن مالك قال: لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس