ذكرتُ في كل باب ما صحّ من الأحاديث، وكذلك ذكرتُ الأحاديث التي فيها ضعف يسير إنْ كان لها أصول صحيحة.
فإذا قلتُ: إسناده صحيح، وتعدّدَتْ مخارجُه، فليس معناه أن إسناد كل مخرج من المخارج صحيح لذاته، وإنما المقصودُ منه صحة الإسناد من مدار الإسناد، وإن كان في بعض رجال الإسناد ممن دون ملتقى الإسناد مقال، فإن متابعة بعضهم لبعض يجبره إلا أن يكون في الإسناد متروك أو متهمٌ أو كذّابٌ فهذا لا بد من بيانه.
وكذلك ذكرتُ تحت الباب بعض الأحاديث التي لا يصحّ إسناده، إنْ كان معناه صحيح مثل ما كان يفعل الترمذي أحيانا، انظر مثال ذلك في سننه (١٧٣٦) فإنه ذكر فيه حديث ابن عمر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا اعتمّ سدل عمامته بين كتفيه، وقال: وفي الباب عن عليّ، ولا يصحّ حديثُ عليٍّ في هذا من قبل إسناده.
فإذا قلت: إسناده صحيح فلا ألتزم أن أقول: رجاله ثقات، أو رجاله رجال الصحيح، لأن الحكم بالصحة يلزم أن يكون رجاله ثقات، وهو الشرط الأول لصحّة الحديث، وهذا المنهج المتبع عند الترمذي والبغوي وغيرهما من أئمة الحديث.
[٨ - الاجتناب من تصحيح الأحاديث المنكرة والموضوعة بالشواهد]
تجنّبتُ من تصحيح الأحاديث الضعيفة شديدة الضعف، وكذلك المنكرة والموضوعة بالشواهد الصحيحة، لأن هذا المنهج لم يكن معروفا في القرون الثلاثة الأولى، والعمدة في ذلك منهج الشيخين البخاري ومسلم فإنهما لم يُصحّحا الأحاديث الضعيفة بالشواهد، وكذلك لم يفعل ذلك ابن خزيمة وابن حبان مع تساهلهما في الرجال، وأوّل من انتهج هذا المنهج وتوسّع فيه الحافظ أبو عبد اللَّه الحاكم صاحب المستدرك، ولذا كثر فيه الأحاديث المنكرة والموضوعة كما قال الذهبي وغيره، ولو كان هذا المنهج سائغا لما اجتهد المحدثون هذا الاجتهاد العظيم في تنقية الأحاديث الصحيحة من الأحاديث الضعيفة.
وأما الأحاديث التي لها شواهد كثيرة وليس لها أصول ثابتة، وكذلك الأحاديث الضعيفة التي لا ترتقي إلى درجة الحسن بالمتابعات، فقد ذكرتُ بعض هذه الأحاديث في التخريج لبيان حالها، وأعرضتُ عن ذكرها في صُلب الكتاب.