قلت: وعلته عثمان بن الهيثم، فإنه مع صدقه تغير فصار يتلقن. والراوي عنه الفضل بن الحباب سمع منه بعد ما تغير، وأبوه الهيثم بن الجهم لم يرو عنه إلا ابنه عثمان، ولم يوثّقه أحد فهو مجهول.
وأما قول أبي حاتم فيه كما في "الجرح والتعديل" (٩/ ٨٣): "لم أر في حديثه مكروها" فليس توثيقا له، وإنما فيه الإشارة إلى أن ما يرويه يوافق حديث غيره. وليس كل من يروي حديثا موافقا لغيره ثقة، فقد يخطئ في عزو الحديث إلى غير صاحبه.
وفي الباب أحاديث أخرى لا تصح، إنما الصحيح ما ذكرناه.
وأما قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من غشنا فليس منا" فمعناه أنه ليس على سيرتنا وهدينا، وهي الصدق والوفاء.
وأما من حمله على أنه خرج من ملتنا فهو خطأ.
وأما ما جاء عن سفيان الثوري أنه كان يكره تفسير "ليس منا" ليس مثلنا، كما ذكره أبو داود (٣/ ٧٣٢)، فكان مراده أن يترك ذلك ليكون أوقع في النفوس، وأبلغ في الزجر، لا أنه كان يكفره، ويخرجه عن الملة.
[٤ - باب النهي عن الحلف في البيع]
• عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة".
متفق عليه: رواه البخاريّ في البيوع (٢٠٨٧)، ومسلم في المساقاة (١٦٠٦) من طريق يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب أن أبا هريرة قال فذكره. واللّفظ للبخاريّ. ولفظ مسلم "ممحقة للربح".
قوله: "منفقة" بفتح الميم والفاء، بينهما نون ساكنة، مفعلة من النفاق -بفتح النون- وهو الرواج ضد الكساد.
• عن أبي هريرة يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثلاثة لا ينظر اللَّه إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر، فقال: واللَّه الذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا فصدقه رجل" ثم قرأ هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [سورة آل عمران: ٧٧].
متفق عليه: رواه البخاريّ في المساقاة (٢٣٥٨) عن موسى بن إسماعيل، حدّثنا عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش قال: سمعت أبا صالح يقول: سمعت أبا هريرة فذكر الحديث.
ورواه مسلم في الإيمان (١٠٨) من وجه آخر عن الأعمش، فذكر نحوه، ولم يذكر في حديثه آية سورة آل عمران.