قال الحافظ البيهقي رحمه اللَّه:"ليكون الناظر فيها من أهل السنة على بصيرة مما يقع الاعتماد عليه، ولا يجد من زاغ قلبه من أهل البدع عن قبول الأخبار مغمزًا فيما اعتمد عليه أهل السنة من الآثار"(١).
بخلافِ أهل البدعِ، فإنَّ اعتمادَهم غالبًا يكونُ على الأحاديثِ الضعيفةِ والمنكرةِ بل الموضوعةِ في أعيادِهم وعاداتِهم، وفضائلِ الأعمالِ والأذكارِ وغيرِها، وقد قال بعضُ السلفِ: مَا ابتدعَ أحدٌ بِدْعةً إلا خَرجتْ حَلاوةُ الحديثِ مِنْ قلبِه.
[ميزة هذه الأمة باستعمال الإسناد]
تميّزتْ هذه الأمةُ الإسلامية من بين سائر الأمم، باستعمال الإسناد في فجر تاريخها لمعرفة الحديث الصحيح من السقيم، فكما لم يقبلوا حديثا بدون إسناد، كذلك لم يقبلوا كتابا بدون سماع من المؤلف أو من الرواة عنه، ولما وقف المستشرقون على هذه الميزة تحيروا، لأن كتبهم المقدسة لديهم خالية من الإسناد كليا والمنصفون منهم أثنوا على هذا العلم الذي وضعه المسلمون، حتى قال اسبرنكوالتيرولي في مقدمة كتاب الإصابة طبعة (١٨٥٣ م) في مدينة كالكتة بالهند: "إن هذه الكتب -أي كتب الرجال- حفظت لنا ترجمة الرواة، بلغ عددهم نحو خمسمائة ألف شخص".
قلت: وفي قوله هذا مبالغة إلا إنْ أراد رواية كتب الحديث إلى عصره -وخاصة في الهند- لأنه عاش فيها نحو خمس وثلاثين سنة، ورأى أن كتب السنة تُروى بالأسانيد.
ورواة الحديث إلى نهاية القرن الخامس الذين عليهم المدار في صحة الحديث وضعفه، فلا يتجاوزون عن خمسين أو ستين ألف راويا، وأما المتعصبون من المستشرقين فتغيظوا وبدؤوا يفترون على كبار المحدثين افتراءات بدون حجة وبرهان، وأخذ عنهم بعضُ الكُتّاب المسلمين للتشكيك في الحفاظ على السنة النبوية، فإلى هؤلاء جميعا أهدي هذا العمل المبارك، لعل اللَّه يهديهم إلى الحق والصواب.